للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طاهرَ [بنَ الحسين] (١) فثنى عِنانَ دابَّته معه وقال له: أيها الأمير، هذا عِنانٌ ما ثُني قطُّ إلَّا لخليفة، فقال له طاهر: صدقتَ فقل ما شئت، فقال: تكلِّمُ لي أميرَ المُؤْمنين، فقد عضَّ الغاربَ القَتَبُ (٢)، وأنا مستجيرٌ بالله وبك. وكان المأمونُ لا يردُّ طاهرًا في حاجة، فشفع في الفضل، فشفَّعه فيه، وأقام عند المأمون على منزلة، والمأمونُ يحترمه ويُحسن إليه حتَّى توفِّي.

[واختلفوا في وفاته على قولَين حكاهما الخَطيب (٣): أحدهما: حكاه عن أبي حسَّان الزياديِّ قال: مات] في سَلخ ذي القَعدة [سنةَ ثمانٍ ومئتين. والثاني: عن إبراهيمَ بنِ عرفةَ قال:] (٤) مات سنةَ سبعٍ ومئتين. وقيل: إنَّ المأمونَ ظفر به وعفا عنه. [واللهُ أعلم.

ذكر قصَّة جرت للفضل في اختفائه:

حكاها أبو القاسم عليُّ بن المحسِّن التَّنوخيُّ عن أَبيه بإسناده إلى] الفضل بن الرَّبيع قال (٥): لما استترتُ عن المأمون، أخفيتُ نفسي عن عيالي وولدي، فلمَّا قرب المأمونُ من بغدادَ ازداد خوفي على نفسي، فاحتطتُ في التَّواري، وشدَّد المأمونُ في طلبي، فلم يعرفْ لي خبرًا، فذكرني يومًا، فاغتاظ وأغلظ لإسحاقَ بنِ إبراهيم، فخرج من عنده ونادى مَن في الجانبين: مَن جاء به فله عشرةُ آلافِ درهم، وأقطاعٌ بثلاثة آلافِ دينارٍ كلَّ سنة، ومَن وجد عنده بعد النداءِ ضُرب خمسَ مئة سَوط، وهُدمت دارُه وأُخذ ماله وحُبس طولَ عُمره.

وكنت بباب الطاقِ في منزل صاحب لي، فدخل عليَّ وأخبرني بخبر النداءِ وقال: واللهِ ما أقدر بعد هذا على سَترك، ولا آمنُ على نفسي، وأخاف أن تشرَهَ زوجتي أو غلامي إلى المال فيدلُّون عليك، فأهلكَ بهلاكك، فإن صفح المأمونُ عنك لم آمن أن تتَّهمَني أَنْتَ أني دللتُ عليك، فيكون ذلك أقبح. قال: فورد عليَّ أمرٌ عظيم، وقلت:


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) الغارب: الكاهل، أو ما بين السَّنام والعنق. والقتب: الإكاف. القاموس المحيط (غرب)، (قتب).
(٣) في تاريخه ١٤/ ٣٠٥. وما بين حاصرتين من (ب).
(٤) في (خ): وقيل …
(٥) في (خ): وقال الحسن التنوخي: قال الفضل بن الرَّبيع. والقصة في الفرج بعد الشدة ٤/ ٢٩٣.