للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنَّ إبراهيمَ لما مُنع من دار الخاصَّة والعامة تمثَّل: [من البسيط]

يَا سرحةَ الماءِ قد سُدَّت مواردُهْ … أَمَا إليك طريقٌ غيرُ مسدودِ

لحائمٍ (١) حامَ حتَّى لا وصولَ له (٢) … مُحلَّأٍ عن طريق الماءِ مطرود

فبكى المأمونُ وأمر بإحضاره، فقبَّل بساطَه وقال:

البِرُّ بي منك وطَّا العُذْرَ عندك لي … دون اعتذاري فلم تَعذُلْ ولم تَلُمِ

تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ به … فلا عَدِمناك من عافٍ ومنتقم

[وحكى الأصمعيُّ أن المأمون لما جيءَ إليه وإبراهيم، جمع بني هاشمٍ وغيرهم، وأَقدمه في المِلحفة، ودعا بعودٍ ومنبر وقال: اصعدْ واضرب به، ففعل، ولمَّا نزل من المنبر أَمر بحبسه.

وقال الصُّولي:] (٣) لما عفا المأمون عن عمِّه، حَسُنَ ذلك من قلوب النَّاس، فازدادوا محبَّةً له، ولمَّا شفعت فيه بُوران صار نديمًا له.

وقال إبراهيم: واللهِ ما طمعتُ في الخلافة، وإنَّما وليتها حفظًا لها؛ لئلا تخرجَ من البيت ويتسلَّطَ عليها الغير لمَّا ولَّى المأمونُ علي بن موسى الرِّضى. [وسنذكر إبراهيمَ في سنة أربعٍ وعشرين ومئتين عند وفاته].

وفيها مضى المأمونُ إلى فم الصِّلح وبنى ببُورانَ بنتِ الحسنِ بن سهل.

[وقد ذكر القصَّةَ الطبريُّ والصُّولي والخطيب وغيرُهم، فأمَّا الطَّبرِيُّ فإنَّه ذكر كلامًا طويلًا اختصرته] فقال (٤): خرج المأمونُ من بغدادَ في رمضانَ ومعه إبراهيمُ بن المهديِّ محتاطًا عليه، وتقدَّم العباسُ بن المأمون أباه، فالتقاه الحسن، وأراد أن يترجَّلَ له، فأَقسم عليه العباسُ بحياة أَبيه، فامتنع، ووافى المأمونُ وقتَ العشاءِ في رمضان، فأَفطر في منزل الحسنِ بن سهل، ومعه ولدُه العباس، ودينارُ بن عبدِ الله قائمٌ على رأس المأمون، فلمَّا فرغوا من الأكل دعا المأمونُ بشراب، فأُتي بجامٍ من ذهب، فصبَّ فيه


(١) في (خ): بحائم.
(٢) في الأغاني والفرج بعد الشدة: حيام له.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).
(٤) في التاريخ ٨/ ٦٠٦ هما بعد، وما بين حاصرتين من (ب).