للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيفعل هذا عاقل!

فمضى إليه وأَخبره بما قلت، فقال: صدق، رُدَّه إلى موضعه. فرجع أحمدُ وهو يقول: السلامة السلامة، فردَّني إلى سِردابه حتَّى خرج المأمونُ إلى فم الصِّلح إلى بُوران بنتِ الحسن، فسألَتْه فيّ، فرضي عني.

وقال أبو الفَرَج الأَصبهاني: لما حصل إبراهيمُ في يد المأمونِ لم يشكَّ أحدٌ في قتله، فأقام محبوسًا في مطمورةٍ على أقبح حال، قال إبراهيم: فيئستُ من الحياة وتعرَّيت عنها، وتمنَّيت الموتَ لما أنا فيه، وإذا بأحمدَ بنِ أبي خالدٍ قد دخل عليَّ وقال: اكتبْ وصيَّتك؛ فقد أمرني بضرب عُنقك.

فكتبتُ وصيَّتي، وأسندتُها إلى المأمون وشَكلَةَ والدتي، وصلَّيت ركعات، وقعدتُ أنتظر القتل، وإذا بأحمدَ بنِ أبي خالدٍ قد دخل عليَّ وقال: أميرُ المُؤْمنين يسلِّم عليك ويقول لك: اِحمد اللهَ الذي وفَّقني لصِلة رَحِمك والعفو عنك، وانصرفْ إلى دارك، وقد رددتُ عليك أموالك وضِياعك، فغلبني البكاء، فقال أَحْمد: لقد رأيتُ منك عجبًا، أخبرتُك أنَّه قد أمر بضرب عنقِك فلم تبكِ ولم تَجزَع، ثم أخبرتك بعفوه عنك وتفضُّله عليك فبكيت! فقلت: أما الأوَّل؛ فلأني كنت موطِّنًا نفسي عليه غيرَ شاكٍّ فيه، فلم أَجزَع، وأمَّا بكائي الآن، فواللهِ ما هو من سروري بالحياة ورجوعِ النِّعمة، وإنما هو لِمَا كان مني من قطيعة رحمِ مَن فعل معي مثلَ هذا العفو الذي لم يُسمع بمثله في جاهليةٍ ولا في إسلام، فقد حاز الثوابَ من الله في صِلَة الرَّحم، وثناءَ النَّاس عليه، وحزتُ المأثمَ في قطيعة الرَّحم، وذمَّ النَّاس لي.

فرجع إلى المأمون وأَخبره، فاستحسن قولي، وبعث إليَّ بالخِلَع والمراكب والأموال، فانصرفتُ إلى داري ونعمتي.

وقال التَّنوخي (١): لمَّا أطلق المأمونُ إبراهيم، أمر محمدَ بن يزدادَ (٢) بمنعه من دار الخاصَّة والعامَّة، ويوكّلَ به رجلًا من قِبَله يطالعه بأخباره، فكتب إلى المأمون الرجلُ


(١) في الفرج بعد الشدة ٣/ ٣٥١.
(٢) في (خ): برادان، وهو خطأ. انظر الفرج بعد الشدة ١/ ٣٨٤ و ٢/ ١٢٧، والأغاني ١٠/ ١١٨.