للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذِكرُ ما نُقل عنه من مُلَح الأعراب:

حكى المدائنيُّ عنه] (١) قال: نزلتُ بحيٍّ من كلبٍ مُجْدِبِين، قد توالت عليهم سِنونَ موَّتت الماشية وأَيبست النبات، ومنعت السماءُ قطرَها، فارتفعت سحابة سوداء، فطبَّقت السماء، فاستشرفوا لها ورفعوا أصواتَهم، فمالت عنهم، ثم جاءت سحابةٌ أخرى، فعدلها اللهُ عنهم، فلمَّا كثر ذلك، خرجت عجوز فَعَلَت شَرَفًا ثم نادت بأعلى صوتِها: يَا ذا العرشِ افعلْ ما شئت؛ فإنَّ أرزاقَنا عليك. فوالله ما نزلت من الشَّرف حتَّى مُطروا مطرًا كاد أن يغرقَهم، وأنا حاضر.

و [حكى الرِّياشي عنه] قال: مررتُ بصنعاءِ اليمن على مزرعةٍ إلى جانبها عَين، وإذا بغلامٍ قد ملأ قِربةً وقد عجز عنها، فتعلِّق بعُراها (٢) وصاح: يَا أَبة، أدرك فاها، فلم يُجبه أبوه، وقال: يَا أَبة، غلبني فوها، فلم يُجبه، وقال: يَا أَبة، لا طاقةَ لي بفيها. فجمع العربيةَ في ثلاث كلمات.

وقال: قدم جماعةٌ من الأَعراب على النَّبِيّ وفيهم غلام، فسمع رسولَ الله يقرأ في الفجر: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١)﴾ السورة، فبُهت، ورجع إلى أَبيه فقال: با أَبة، سمعتُ محمدًا يُقسم على ربِّه بخيلٍ تصيح من خواصرها، بقُدوح الحصى من سنابكها، تغار على الأحياء في الغَلَس، توسَّط بفارسها الجمع، وسمعته يقول في غُضون كلامه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)﴾ فقال: يَا بُني، هذا اللفظُ بعينه سمعتَه منه؟! فقال: يَا أبة، كلامُه لفظٌ شريف، هذا معناه.

وقال: دخلتُ الباديةَ فنزلت على بعض الأَعراب، فقلت له: أَفِدني، فقال: إذا شئت أن تعرف وفاءَ الرَّجل وحُسنَ عهده وكرمَ أخلاقه وطهارةَ مولده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وشوقِه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه.

وقال: قام أعرابيٌّ بجامع البصرةِ فقال: أيها النَّاس، الحاضرُ يحثُّ على سؤالكم، والحياءُ الزاجر يصدُّ عن التعريض لكم، فرحم اللهُ امرأً ساعد بنَيل، أو دعا بخير؛ فإنَّ


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (ب): بعزلتها، وفي (خ): بعزلها. والمثبت من تاريخ دمشق ٤٣/ ٢١٣.