للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعاءَ إحدى الصَّدقتين. فقلت: مَن الرَّجل؟ فقال: سوءُ الاكتساب يمنع من الانتساب، وكان معي أربعُ مئةِ درهمٍ فدفعتها إليه.

وقال: رأيتُ بعرفاتٍ أعرابيًّا يقول ويتضرَّع قائمًا: اللهم إنَّ لك على حقوقًا فتصدَّق بها عليّ، وإنَّ قِبَلي للنَّاس [تَبِعات] فتحمَّلها عني، وقد أوجبتَ لكلِّ ضيف قِرَى، وأنا الليلةَ ضيفُك، فاجعل قِراي المغفرة [أو الجنة].

وقال: رأيتُ أعرابيًّا قد أخذ بأستار الكعبةِ وهو يقول: سائلُك ببابك، ذهبت أيَّامه، وبقيت آثامُه، وانقضت شهوتُه، وبقيت تَبِعته، فارضَ عنه، فإن لم ترضَ عنه فاعفُ عنه؛ فإنَّ المولى [قد] يعفو عن عبده وهو غيرُ راضٍ عنه.

وقال: رأيت آخَرَ قد وقف عند البيتِ وقال: اللهم إن أقوامًا آمنوا بك بألسنتهم ليَحقنوا دماءَهم، فأدركوا ما أفَلوا، وقد آمنَّا بك بألسنتنا وقلوبنا، فأَجِرنا من عذابك، وأَنِلنا ما أمَّلنا من عفوك.

قال: وسمعت أعرابيًّا يطوف بالبيت ويقول: إلهي، إليك عجَّت الأصواتُ بصنوف اللُّغات، يسألونك الحاجات، وحاجتي أن تذكرني في البلاءِ إذا نسيني أهلي.

وقال: حجَّت أعرابية فقطعت عليها الطريق، فقالت: ربِّ أنعمتَ ثم سلبت، وكلُّ ذلك منك فضلٌ وعدل، وعزَّتِك لا بسطتُ لساني بمسألة غيرِك، ولا بذلتُ رغبتي إلَّا إليك، يَا قُرَّة عيونِ الطالبين، أَغِثني بجُودٍ منك أَتبحبح به في فراديس نعمتِك، وأرتفع به في غياض فضلِك، احملني بكَرَمك بغير راحلة، وأَوصِلني بغير مطيَّة، وأَسبغ عليَّ سِترك الذي لا تحرِّكه الرياح، ولا تخرِّقه الرِّماح.

وقال: سمعتُ أعرابيًّا ذكر قومًا تغيَّرت حالُهم فقال: كانوا واللهِ في عيشٍ رقيق الحواشي، فطواه الدهرُ بعد سَعة، ولم أرَ صاحبًا أغرَّ من الدنيا، ولا ظالمًا أغشمَ من الموت، ومَن عصف عليه الليلُ والنهار أدَّباه، ومن وُكِّل به الموتُ أفناه.

قال: وسمعتُ آخَرَ يصف منزلًا باد أهلُه فقال: رحل عنه واللهِ ربَّات الخدور، وأقامت فيه رواجلُ (١) القُدور، وكان أهلُه يعفون آثارَ الرياح، فأصبحت الرياحُ تعفو


(١) كذا، وفي نفح الطيب ١/ ٥٠٠: أثافي.