للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإسناده إلى] أبي سلمةَ الغَنَويِّ (١) قال (٢): قلت لأبي العتاهِيَة: ما الذي صرفك عن الغزل إلى الزُّهد؟ فقال: إذن واللهِ أُخبرك، إني لمَّا قلت: [من المنسرح]

اللهُ بيني وبين مولاتي … أهدت (٣) لي الصَّدَّ والمَلَالاتِ

هيَّمني حبُّها وصيَّرني … أُحدوثةً في جميع جاراتي

رأيتُ في المنام تلك الليلةَ كأنَّ آتيًا أتاني فقال: يا إسماعيل، ما وجدتَ أحدًا يدخل بينك وبين عتبةَ يحكم لك عليها بالمعصية إلَّا اللهُ تعالى! تبًّا لك. قال: فانتبهت مذعورًا، وتبتُ إلى الله تعالى من ساعتي من قولي الغزل.

[قلت:] (٤) وهذه عُتبةُ جارية المَهدي، كانت تخرج من دار المهدي مع الخدم فتشتري الدُّرَّ (٥) والمصاغَ وغيرَه، فرآها أبو العتاهية، فهَويها وشبَّب فيها في شِعره.

[وقد ذكرها الخطيبُ فقال (٦): أخبرني ابنُ أيوبَ القُمِّي [بإسناده] (٧) عن أبي شعيب أحمدَ بن يزيدَ قال: قلتُ لأبي العتاهية: يا أبا إسحاق، حدِّثْني بقصَّتك مع عتبة، فقال: نعم، قدمنا من الكوفة ثلاثة فتيانٍ شباب، وليس لنا ببغدادَ من نقصده، فنزلنا بالقُرب من الجسر في غرفة، وكنا نبكِّر في مسجدٍ بباب الجسر كلَّ غداة، فمرَّت بنا امرأةٌ راكبة ومعها خدَّام سودان، فقلنا: مَن هذه؟ فقالوا: خالصة، فقال أحدُنا: قد عشقتُها، وعمل فيها شعرًا، وأَعنَّاه.

ثم لم يلبث إذ مرَّت امرأةٌ أخرى راكبة ومعها خدمٌ بيض، فقلنا: مَن هذه؟ فقالوا: عُتبة، فقلت: قد عشقتها، ولم أعملْ فيها شعرًا. فلم نزل كذلك كلَّ يومٍ إلى أن التأمت لنا أشعارٌ كثيرة، فدفع صاحبي شِعرَه إلى خالصة، ودفعت أنا شعري إلى عُتبة، وألححنا إلحاحًا شديدًا، فمرَّةً تُقبل أشعارُنا ومرَّة تُطرد، إلى أن أخذوا في طردنا.


(١) في (ب) و (خ): العنبري، والمثبت من تاريخ بغداد.
(٢) في (ج): قال أبو سلمة.
(٣) في تكملة الديوان ص ٥٠٥: أبدت.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) في (خ): البر، والمثبت من (ب).
(٦) في تاريخ بغداد ٧/ ٢٣٠. وما بين حاصرتين من (ب).
(٧) ما بين حاصرتين ليس في (ب)، وانظر تمام الإسناد في تاريخ بغداد.