للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجلست عتبةُ يومًا في سوق الجوهر، فلبستُ ثيابَ راهبٍ وجلست إلى شيخٍ صائغ، وقلت له: قد رغبتُ في الإسلام على يد هذه المرأة، فقام معي ومعه جماعة، فقالوا: إنَّ الله قد ساق إليكِ أجرَ هذا الراهب، ويريد أن يسلمَ على يديك، فقالت: هاتوه، فدنوت منها وأسلمت، وقطعت الزُّنَّار وقبَّلت يديها، فعرفتني، فقالت: نحُّوه لعنه الله، فقالوا: قد أَسلمَ فلا تلعنيه، فقالت: إنَّما لعنته لقذره.

فعرضوا عليَّ كسوة، فأبيت وقلت: إنَّما كان قصدي أن أتشرَّفَ بولائها. ثم انصرفتْ فشكت إلى خالصة، وقالت: ليس يخلو إمَّا أن يكونا مستأكِلَين أو عاشقين، فنحن نمتحنهما بمال، فإنْ قبلاه كانا مستأكلين، وإلَّا فهما عاشقان.

فلمَّا كان من الغد، مرَّت خالصة، فتعرَّض لها صاحبي، فقالت له الخدم: اِتْبعنا، فتبعهم، فمرَّت عتبة، فقال لي الخدم: اتبعنا، فتبعتُهم، فمضت إلى منزل، ثم دعت بي وقالت: يا هذا، إنك شابٌّ وأرى بك أدبًا، وأنا حُرمةُ الخليفة، فإن أنت كففتَ وإلا أنهيتُ حالك إليه، ولا آمن عليك. قال: فقلت: أسألك بالله إلَّا فعلت (١)؛ فإنَّ سفكَ دمي أهونُ عليَّ مما أُقاسي في حبِّك، فقالت: لا تفعل، واتَّقِ الله في نفسك، وخذ هذه الخمسَ مئة دينارٍ واخرج عن هذا البلد.

فلما سمعتُ ذِكرَ المال ولَّيت هاربًا، فقالت: ردُّوه، فردُّوني، وقلت: جُعلت [فداكِ] ما أصنع بعرضٍ من الدنيا وأنا [لا] (٢) أراك! فقالت: خذ ألفَ دينار واخرج، فقلت: لو أعطيتيني جميعَ مالِ الخليفة ما كانت لي فيه حاجةٌ بعد أن لا أراك.

ثم قمتُ وخرجت، وأتيت الغرفَة التي نزلنا بها، وإذا صاحبي مورَّمُ الأُذنين، وقد امتُحن بمثل ما امتُحِنْتُ به، فلما مدَّ يده إلى المال، أمرت خالصةُ بصفعه وضربه، وحلفتْ إن وقف لها بعد ذلك لَتودعنَّه الحبس، ثم التقتا فأخبرتها عتبةُ الخبر، فصحَّ عندها أني محبٌّ محقٌ.

فلمَّا كان بعد أيام، دعتني عتبةُ فقالت: بحياتي عليك، إن كنتَ تحبُّني فخذ ما


(١) في (ب): تفعلي. والمثبت من تاريخ بغداد.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد.