للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقوَّض المجلسُ دعاه المأمون فقال: ألستَ صاحبَنا بالأمس؟ قال: بلى، قال: ما الذي دعاك للإسلام وقد عرضتُه عليك بالأمس فأَبيت؟! فقال: أُخبرك، إني أُحسن الخطَّ، كتبتُ ثلاثَ نسخٍ من التوراة، فزدتُ فيها ونقصت، ثمَّ أَدخلتها الكنيسةَ فبعتها، فاشتُريتْ بأَوفى ثمن، ثمَّ كتبت ثلاث نُسخٍ من الإنجيل، فزدتُ فيها ونقصتُ منها، وأدخلتها البيعةَ فبعتها بأَوفى ثمن، وعمدتُ إلى القرآن فكتبت منه ثلاثَ نسخ، فزدت فيها، ونقصتُ منها، وأدخلتها إلى الورَّاقين فعرضتها عليهم، فتصفَّحوها، فرأوا الزيادةَ والنقصانَ، فرَموا بها، فعلمت أنَّ هذا الكتابَ محفوظٌ فأسلمت.

وقال يحيى بنُ أكثم: فحججت، فلقيني سفيانُ بن عُيينة، فحدَّثته بهذا الحديث، فقال: مِصداق ذلك من كتاب الله، قلت: وأين؟ فقال: في قول اللهِ تعالى في التوراة والإنجيل: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤] فجعل حِفظَه إليهم فضاع، وقال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] فحفظه اللهُ تعالى فلم يضيَّع.

ذِكر نُبذةٍ من كلامه وتواضعِه وعَفوه:

حكى الصُّولي عن] المأمون أنَّه كان يقول (١): لو عرف الناسُ حُسنَ العفو لتقرَّبوا إليَّ بالجرائم، وودت أنَّ أهلَ الجرائم عرفوا رأيي فيه؛ ليذهبَ الخوفُ عن قلوبهم، وأخاف ألَّا أُوجرَ على العفو. يعني أنَّه صار له اختيارًا [وطبعًا] (٢).

وقال يحيى بن أكثم: بِتُّ ليلةً عند المأمون، فعطشت، فقمتُ لأشربَ ماء، فرآني فقال: عُدْ إلى موضعك، فعُدت، فقام وأتاني بكُوزٍ من ماءٍ وقال: اشرب، وهو قائمٌ على رأسي، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، يشقُّ عليَّ قيامُك وتأتيني بالكوز! فقال: حدَّثني أبي، عن أبيه المَهديّ، عن أبيه المنصور، عن أبيه محمدِ بن علي، عن أبيه عليّ (٣)، عن أبيه عبدِ الله بن عباس، عن النبيِّ (٤) أنَّه قال: "سيِّدُ القومِ خادمُهم" [وفي روايةٍ


(١) في (خ) و (ف): وكان المأمون يقول. وما بين حاصرتين كله من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ف).
(٣) في تاريخ بغداد ١١/ ٤٣٦، وتاريخ دمشق ٣٩/ ٢٦١: عن عكرمة.
(٤) في تاريخ بغداد وتاريخ دمشق: عن ابن عباس عن جرير بن عبد الله عن النبي . ورواه ابن عساكر أيضًا عن المأمون، عن أبيه، عن جده، عن عقبة بن عامر مرفوعًا.