للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطُّرقات بحيث يصل الخبرُ من البصرة إلى بغدادَ في يومٍ واحد، وسار عُجيفٌ حتَّى نزل الصافية، وهي قريةٌ أسفلَ وأَسط، وكان في خمسة آلاف، فسدَّ عليهم الأنهارَ وأخذ عليهم الطُّرق، وقاتلهم، وأَسر منهم خمسَ مئةٍ وقتل ثلاثَ مئة، وضرب أعناقَ الأَسرى، وبعث برؤوسهم ورؤوس القتلَى إلى المعتصم، وأَقام عُجيفٌ يقاتلهم سبعةَ أشهر، وكان رئيسَ الزُّطِّ رجلٌ يقال له: محمدُ بن عثمان، وكان صاحبَ أمرِه والقائمَ بالحرب رجلٌ يقال له: سملق، وخرجت هذه السَّنة [وعُجيفٌ] (١) محاربٌ لهم، وخرج إليه خلق كثيرٌ بالأمان، وكان الزُّطُّ خمسةَ عشَرَ ألفًا، وبعث بالمستأمنة إلى بغداد، وقيل: أَقام يحاربهم خمسةَ عشَرَ شهرًا، وقيل: تسعةَ أشهُر (٢).

وفيها كانت ظُلمة شديدةٌ بين الظُّهر والعصرِ وزلازلُ هائلة.

وفيها امتحن المعتصمُ الإمامَ أبا عبد اللهِ أحمدَ بن حنبلٍ [وهل ضربه بين يديه أم لا؟ ففيه قولان: أحدُهما: أنَّه ضربه بين يديه، فحكى، الصُّولي أنَّ المعتصمَ أَحضره (٣) وعنده ابنُ أبي دؤاد، فقال له: ما تقول في القرآن؟ قال: يسعني فيه ما وسع أصحابَ رسولِ الله ، إنَّه كلامُ اللهِ قديمٌ منزَّل غيرُ مخلوق، فقال له: ما تقول في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ﴾ [الزمر: ٦٢]؟ فقال: خصَّ القرآنَ عن هذا بقوله: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤] ففرَّق بينهما، أَلَا ترى إلى قوله جلَّت عظمتُه وتقدَّست أَسماؤه: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٥] وما دمَّرت السَّماواتِ والأرض، فقال المعتصمُ لابن أبي دُؤاد: زعمتَ أنَّه حَدَث، وما أُراه إلَّا كهلًا، وزعمتَ أنه عامِّيٌّ وما أُراه إلا مُغْرِبًا.

[واختلفوا في السِّياط التي ضُربها على أقوال: أحدها: أنَّها كانت] (٤) ثمانيةَ عشرَ


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في المنتظم ١١/ ٤٢: وأقام بإزاء الزط خمسة عشر شهرًا فقاتلهم منها تسعة أشهر. وفي تاريخ الطبري ٨/ ٩: أقام عجيف بإزاء الزط خمسة عشر يومًا … ومكث عجيف يقاتلهم فيما قيل تسعة أشهر. وانظر الكامل ٦/ ٤٤٤، والبداية والنهاية ١٤/ ٢٣٨.
(٣) في (خ) و (ف): قال الصولي: أحضره المعتصم.
(٤) في (خ) و (ف): وضرب.