للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين يديه الطبولُ والزمور والبغايا، فلم يتحرك بابك، واقتتلوا، وحمل الأفشين بنفسه، فقتل رجال بابك، وأفلت بابك وحده في نفرٍ يسير إلى مُوقان ثم عاد إلى البذِّ (١)، وبعث الأفشين بالرؤوس والأسارى إلى المعتصم (٢).

وفيها خرج المعتصم إلى القاطول -على ما قيل- وانتقل إلى سُرَّ من رأى [في سنة إحدى وعشرين ومئتين. وقيل: سنة اثنتين وعشرين ومئتين، ويقال: إنه اشترى مكان سُرَّ من رأى] بخمس مئة (٣) درهم، وكان ديرًا فبناها.

وسبب خروجه ما ذكرنا أنَّ مماليكه الأتراك آذَوا أهل بغداد وشوارعَها بإفساد حريمهم وتطرُّقهم إلى الدور والأموال، وكانوا جفاةً عجمًا يركبونَ الخيل ويركضون الدوابَّ في طرق بغداد وشوارعها، فيصدمون الرجال والنساء، فكان شطار بغداد يقتلونَهم غيلةً وينكسُونهم عن الدوابّ، وثارت بهم العامَّة، فصلى المعتصمُ يوم الفطر بالمصلَّى ورجع، فالتقاه شيخٌ فناداه: [يا أبا] إسحاق، فابتدره الجند ليضربوه، فأشار إليهم؛ كفُّوا، ثُمَّ قال للشيخ: ما لك؟ فقال: لا جزاك الله عن جوارنا خيرًا، أتيتنا بهؤلاء العلوج فأسكنتهم بين أظهرنا، فأيتمتَ لهم صبياننا، وقتلتَ رجالنا، وأرملتَ نساءنا، فوجمَ المعتصمُ ودخلَ داره، فلم يُرَ خارجًا (٤) إلى مثل ذلك اليوم بعد سنة، فصلَّى بالناس العيد، وخرجَ من بغداد إلى القاطول ولم يعد إليها.

وفيها غضبَ المعتصمُ على وزيره الفضل بن مروان، وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار، وأصل الفضل من البَرَدان، كان متَّصلًا برجلٍ من العمَّال، يكتب (٥) له، ثم


(١) في تاريخ الطبري ٧/ ١٦ والمنتظم ١١/ ٥٤ والكامل ٦/ ٤٥١: أنَّ بابك بعث إلى البذّ فجاءَه في الليل عسكرٌ فيه رجَّالة.
(٢) خبر بعث الأفشين الرؤوس والأسارى لم أقف عليه، وفي هذا الخبر اختصارٌ مخِلٌّ، فانظره بتمامه في تاريخ الطبري ٩/ ١٤ - ١٦. ومن قوله: والبصرة ومنعوا التمر عن بغداد … إلى هنا ليس في (ب).
(٣) في (خ) و (ف): بخمس مئة ألف. وهو خطأ. والمثبت من (ب) وما بين معكوفين منها، وانظر تاريخ الطبري ٩/ ١٧، والمنتظم ١١/ ٥٤.
(٤) كذا في (خ) و (ف). وفي تاريخ الطبري ٩/ ١٨، والكامل ٦/ ٤٥٢ - وما سلف بين حاصرتين منهما-: راكبًا. وهي الجادة.
(٥) في (خ) و (ف): فكتب. والمثبت من تاريخ الطبري ٩/ ١٨، والمنتظم ١١/ ٥٥.