للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريدُه، فأقام أشناس بمرج الأُسقُف، وبعثَ عمرو الفرغانيّ بين يديه يكشفُ له خبر ملك الروم، فكشفه، فأخبروه (١) أنَّ الملك مقيم ينتظر عبورَ المعتصم أو مواقعةَ الأفشين، يعرِّفه أنَّ ملك الروم يريده، ودفع للرسول عشرةَ آلاف درهم، وبعث رسلًا عدَّة، فلم يلحق الأفشينَ أحدٌ منهم (٢)، وكان قد أوغلَ في بلاد الروم، وسار المعتصمُ إلى أشناس، فلحق الأثقال، وأمر أشناس أن يتقدَّمه بمرحلةٍ، ولم يقف المعتصمُ للأفشين على خبرٍ حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاث مراحل، فضاقَ عسكرُ المعتصم ضيقًا شديدًا من الماء والعلف.

وكان أشناس قد أَسَرَ في طريقه عدَّة، فأمر بهم فضُرِبَت أعناقهم، وفيهم شيخٌ كبيرٌ، فأمر بقتله، فقال: ما تنتفع بقتلي وأنتم في هذا الضيق من قلَّة الماء والزاد؟! وهاهنا قومٌ من أنقرة بالقرب منَّا قد هربوا خوفًا منكم، ومعهم من الزاد والميرة شيءٌ كثيرٌ، فوجِّه معي قومًا لأدفعهم إليهم، وخلِّ سبيلي (٣)، وجهَّز معه خمس مئة فارس، وقال للقائد: متى أوقعَكُم على القوم فأطلِق سبيلَه، فسار بهم الشيخ إلى أوَّل الليل، فأوردَهم واديًا كثيرَ الماء والحشيش، فنزلُوا، ورعوا دوابّهم، وسقوا وشربوا، وسار بهم حتى أوقعهم على أهل أنقرة، فقاتلوهم وأسروا منهم عدَّةً بهم جراحات، فقالوا: ما هذه؟ قالوا: كنا في وقعة الملك مع الأفشين، فقالوا: حدِّثونا بالقصة، فقالوا: كان الملك معسكرًا على أربعة فراسخ من مكانٍ يقال له: اللامِس، وأُخبِر أنَّ عسكرًا قد دخل من ناحية الأرمنياق، فاستخلفَ الملك على عسكره رجلًا من أهل بيته، وأمره بالمقام في موضعه، فإن وَردت عليه مقدمةُ ملك العرب واقعَهم إلى أنْ يذهب الملك فيواقع العسكرُ العسكرَ الذي دخل من ناحية الأرمنياق -يعني عسكر الأفشين- فقال أميرهم: نعم، وكنت ممَّن سارَ مع الملك، فواقعناهم صلاةَ الغداة، فهزمناهم وقتلنا رجَّالهم، وتقطَّعت عساكرنا في طلبهم، فلمَّا كان الظهر رجعَ فرسانُهم فقاتلُوا قتالًا عظيمًا حتى خرقوا عسكرنا واختلطنا بهم، فلم ندرِ في أيِّ كردوسٍ الملك، فلم نزل كذلك إلى وقت


(١) أي: أخبره الأسرى الذين قبض عليهم.
(٢) انظر تاريخ الطبري ٩/ ٥٨ - ٥٩ فسياق الخبر فيه أتمُّ وأوضح.
(٣) في (خ): فخلى سبيله. وفي (ف): فخلي سبيلي. والمثبت من تاريخ الطبري ٩/ ٦٠، والكامل ٦/ ٤٨٢.