للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سعيًا لا تخرج من خيمتك (١)، فعرف الغلام مقالة عمرو.

وارتحل المعتصمُ من عَمُّورية يريد الثغر، وجاء إلى المضيق، فوقف حتى يدخل الناس، ومرض أشناس، دعاده المعتصم، وجاء الأفشين، والتقى بالمعتصم يعود أشناس (٢)، ثمَّ خرج، وجاء عمرو الفرغاني وأحمد بن الخليل إلى عسكر الأفشين، وبلغ أشناس، فأرسل إليهما وقال: ما الذي أتى بكما إلى عسكر غيركما، قالا: نشتري من السبي، فقال: الزما عسكركما ولا تخرجا منه، فاغتمَّا وصارا إلى صاحب الخبر، وقالا: إنَّ أشناس في كل وقتٍ يشتمنا ويتوعدنا، ولا طاقة لنا به، ونحن نسأل أن يضمَّنا أمير المؤمنين إلى من أحبَّ.

وكتب صاحبُ الخبر إلى المعتصم بذلك، فأمر بحبسهما، وبلغه الحديث من أشناس.

ووشى بهم أحمد بن الخليل، فلمَّا جاوزَ المعتصمُ الدربَ دعا بالعباس، فسقاه النبيذ، فسكر، وسأله عن القصَّة واستحلفه أن لا يكتمَه شيئًا، فحكى له القصَّة على وجهها، وسمَّاهم واحدًا واحدًا، وأنَّ الحارثَ السمرقنديَّ كان يَختلفُ إلى القواد، فطيَّب قلب العباس ومنَّاه، وأوهمَه أنَّه قد صفحَ عنه، وتغدَّى معه، وصرفَه إلى مضربه، ثمَّ دعا الحارثَ السمرقنديَّ فسأله عن الأسباب، فقصَّ عليه القصَّة كما أخبر العباس، فقال له المعتصم: قد رُضْتُكَ على أن تكذب، فأجد السبيلَ إلى سفك دمك، فلم تفعل، فقال: يا أمير المؤمنين، لست بصاحب كذبٍ، فأَطلَقَهُ وقال: نجَّاك صدقُك.

ثمَّ قيَّد العباس ودفعه إلى الأفشين، وتتبع أولئك القواد، فأُخذوا جميعًا، وكان فيهم الشاه بن سهل (٣) السجستانيّ، فأحضره المعتصم -وكان محسنًا إليه- والعباس حاضر، فقال له المعتصم: يا ابن الزانية، قد أحسنتُ إليك، فلم تشكر إحساني! فقال له: ابن الزانية هذا الذي بين يديك -يعني العباس بن المأمون- لو مكَّنني منك ما كنت قاعدًا في هذا المجلس، فأَمر به المعتصمُ، فضُرِبت عنقه.


(١) تحرفت في (خ) و (ف) إلى: همتك.
(٢) في تاريخ الطبري ٩/ ٧٣ أن الأفشين التقى بالمعتصم بعد انصرافه من عيادة أشناس.
(٣) في (خ) و (ف): المشاة بين السهل!