للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودمنة"، وما ظننتُ أن هذا يخرجني من الإِسلام.

فقال ابن الزيَّات للموبذ: ما تقول؟ فقال: إنَّ هذا كان يأكلُ المخنوقة ويحملني على [أكلها، ويزعمُ أنَّ لحمها [أرطب] (١) لحمًا من المذبوحة، وقال لي: إنِّي قد دخلتُ لهؤلاء القوم في كلِّ ما أكره، حتَّى أكلتُ الزيت، وركبتُ الجمل، ولبست النعل، غير أنِّي إلى هذه الغاية لم يسقط عنِّي شعرة، يعني: لمَ يَطَّلِ بالكلس ولم يختتن.

وكان الموبذ إذ ذاك مجوسيًّا، وإنَّما أسلمَ بعد ذلك على يد المتوكل.

فقال الأفشين: خبِّروني عن هذا الذي تكلَّم بهذا الكلام أثقةٌ هو في دينه؟ قالوا: لا، قال: فما معنى قَبولكم شهادةَ من لا تثقون به ولا تعدِّلونه!؟

ثم أقبلَ على الموبذ وقال له: هل كان بيني وبينك باب أو كوَّةِّ تطَّلعُ عليَّ منها وتعرف أخباري؟ قال: لا، قال: أفليس كنتُ أدخلكَ منزلي، فأبثُّك سرِّي وميلي إلى الأعجميَّة وأهلها، قال: نعم، قال: لستَ بالثِّقة في دينك، ولا الكريمِ في عهدك، إذ أفشيتَ عليَّ سرًّا أسررتُه إليك.

ثمَّ تقدَّم المرزبان فقال: يَا أفشين، كيف يكتبُ إليكَ أهلُ ملَّتك (٢)؟ قال: كما كانوا يكتبون إلى أبي وجدِّي، فقال ابن الزيَّات: وما كانوا يكتبون إليه؟ قال: يكتبون بالفارسية: إلى الإله من عبده، فقال ابن الزيَّات: أكذا هو؟ قال: نعم، قال: فما أبقيتَ لفرعون حين قال لقومه: "أنا ربكم الأعلى"، فقال: خفتُ أن يَفسُدوا عليَّ بتغيير ما يعهدونه، فقال له إسحاق: ويحَكَ يَا حيدر، كيف تحلفُ لنا بالله فنصدِّقك وأنت تدَّعي ما ادَّعى فرعون! فقال له الأفشين: يَا إسحاق، هذه سورةٌ قرأها عُجيف على عليِّ بن هشام، وأنت تقرؤها عليَّ، فانظر غدًا من يقرؤها عليك.

ثم تقدَّم المازيار، فقالوا له (٣): أتعرف هذا؟ قال: نعم، قالوا: هل كاتبته؟ قال: لا، فقالوا للمازيار: هل كتب إليك؟ قال: كتبَ إلي أخوه على لسانه أنَّه لم يكن ينصر


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ١٠٨.
(٢) في تاريخ الطبري: مملكتك.
(٣) أي: للأفشين.