للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الدين الأبيض غيري وغيرك وغير بابك، فأمَّا بابك فإنّه بحمقه قتلَ نفسَه، ولقد اجتهدتُ في صرف الموت عنه، فأبى حمقُه إلى (١) أن دلَّاه فيما وقع فيه، فإن خالفتَ لم يكن للقوم منَ يؤمَرُ بقتالك غيري، ومعي الفرسان وأهل النجدة والباس، فإن وجِّهتُ إليكَ لم يبقَ أحدٌ يحاربنا إلَّا ثلاثة؛ العربُ والمغاربةُ والأتراك، وأمَّا العربي بمنزلة الكلب، اطرح له كسرةً، ثمَّ اضرب رأسه بالدّبوس، وهؤلاء الذئاب -يعني المغاربة- فإنَّما هم أَكَلَةُ رأس، وأما أولادُ الشياطين -يعني الأتراك- فإنَما هي ساعةٌ حتَّى تنفد سهامُهم، ثم تجولُ عليهم الخيلُ جولةَ (٢) فتأتي على آخرهم، ويعود الدينُ إلى ما لم يزل عليه أيَّام العجم.

فقال الأفشين: هذا يدَّعى على أخي دعوى لا تسمع عليه، ولو كنتُ كتبت إليه بهذا الكتاب لأستميله (٣) إليَّ حتَّى يثق بي كان غيرَ مستنكرٍ؛ لأني إذا نصرتُ الخليفةَ بيدي، كنتُ أنْ أنصرَه بالحيلة أحرى؛ لآخذه بقفاه، وآتي به الخليفةَ فأحظى عنده كما حظي عنده عبد الله بن طاهر.

فزجر أحمدُ بن أبي دؤاد الأفشينَ لما قالوا له ما قالوا، فقال له الأفشين: أَنْتَ يَا [أَبا] (٤) عبد الله ترفعُ طيلسانك بيدك، فلا تضعُه على عاتقك حتَّى تقتلَ به جماعة، فقال له ابن أبي دؤاد: أمطهَّرٌ أَنْتَ؟ قال: لا، قال: فما منعَك من ذلك، وبه تمامُ الإِسلام والطهور من النجاسة؟ قال: أوليس في الإِسلام استعمال التقيَّة؟ قال: بلى، قال: خفت أن أقطع ذلك العضو مني فأموت، فقال أَحْمد: أَنْتَ تطعن بالرمح وتضربُ بالسيف، فما يمنعُك ذلك من أن تكونَ في الحرب، وتخافُ من قطع (٥) قلفة؟! قال: تلك ضرورةٌ أصبرُ عليها، وأمَّا القلفة فلا وأبي أخرج بها من الإِسلام! (٦)


(١) في تاريخ الطبري ٩/ ١٠٩: إلَّا.
(٢) في (خ) و (ف): جولي.
(٣) في (خ) و (ف): لاستمليته. والمثبت من تاريخ الطبري ٩/ ١٠٩ وغيره.
(٤) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ١١٠، والكامل ٦/ ٥١٥.
(٥) في (خط) و (ف): قطعة.
(٦) كذا، ونص العبارة في تاريخ الطبري ٩/ ١١٠: ولم أعلم أن في تركها الخروج من الإسلام.