للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل أبو دُلَف على المأمون، وكان قد تنكَّر له، فنظر إليه شَزرًا، وقال له: أَنْتَ الذي يقول فيك عليُّ بن جبلة: [من الطَّويل]

له راحةٌ لو أنَّ معشارَ عشرها … على البَرِّ كان البَرُّ أندى من البحرِ

له هِمَمٌ لا منتهى لكبارها … وهمَّتُه الصغرى أجلُّ من الدَّهرِ

أَبا دُلَفٍ بُوركت في كلِّ وجهةٍ … كما بوركَتْ في شهرِها ليلةُ القدرِ

فقال: ما أعرفُ من هذا حرفًا، فقال: بلى، وفيك يقول أَيضًا: [من البسيط]

ما قال لا قطُّ من جودٍ أبو دُلَفٍ … إلَّا التشهد لكن قولُه نعمُ

فقال: ما أعرفه، قال: بلى، وفيك يقول أَيضًا: [من البسيط]

اللهُ أجرَى من الأرزاقِ أكثرها … على العبادِ على أيدي أبي دُلَفِ (١)

ما خطَّ لا كاتباهُ في صحيفتِه … كما تُخطَّطُ لا في سائرِ الصحفِ

أعطى أبو دُلَفٍ والريحُ جاريةٌ … حتَّى إذا وقفتْ أَعطى ولم يقفِ

قال: ما أعرفه، قال: بلى، وهو القائلُ فيك أَيضًا: [من المديد]

إنَّما الدنيا أبو دُلَفٍ … بين باديهِ (٢) ومحتضرِهْ

فإذا ولَّى أبو دُلَفٍ … ولَّتِ الدنيا على أَثَرِهْ (٣) (٤)

فقال: ما أعرفه، قال: بلى، وأعطيتَه عليهما ثلاثينَ ألفًا، فقال: مكذوبًا علي، وأصدقُ منه قول القائل: [من الطَّويل]

دَعيني أجوبُ الأرضَ ألتمسُ الغنى … فلا الكَرَجُ الدُّنيا ولا النَّاسُ قاسمُ

إذا كانت الأرزاقُ في كفِّ قاسمٍ … فلا كانت الدُّنيا ولا كانَ قاسمُ

فضحكَ المأمون وسكنَ غضبُه (٥).


(١) هذا البيت لم يذكره ابن عساكر. تاريخ دمشق ٥٨/ ٣٢٢ - ٣٢٣.
(٢) في تاريخ بغداد، وتاريخ دمشق: عند مغزاه … وذكره بمثل رواية المصنف ابن الجوزي في المنتظم ١١/ ١٠٤.
(٣) من قوله: وقال: الفضل بن محمَّد بن أبي محمَّد اليزيدي … إلى هنا ليس في (ب).
(٤) البيتان لم يذكرهما ابن عساكر في تاريخه في سياق هذه القصة، وإنما أوردهما من طريق الخَطيب البغدادي في رواية أخرى للخبر مختصرة. انظر تاريخ بغداد ١٤/ ٤١٣ وتاريخ دمشق ٥٨/ ٣٢٢ - ٣٢٣. وانظر التعليق التالي.
(٥) وقع في (ب) ذكر الخبر المختصر الذي أشرف إليه في التعليق السابق، وهاك نصه:
وحكى الخَطيب عن الرَّبَعي قال: قال المأمون وهو مقطِّبٌ: أنتَ الذي يقول فيك الشَّاعر: =