للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القاضي التنوخي: حَبَسَ عبدُ الله بن طاهر محمدَ بن أسلم، فكتبَ إليه بعضُ إخوانه يسلِّيه ويهون عليه، فأجابه محمد وقال: كتبت إليَّ تعزِّيني، وإنَّما ينبغي لك أن تهنِّيني، رأيتُ العجائب، وعُرضت عليَّ المصائب، إنِّي رأيتُ الله تعالى يتحبَّبُ إلى من يؤذيه، فكيف بمن يُؤذَى فيه، إنِّي دخلتُ بيتًا سقطتْ عني فيه فروضٌ وحقوق، منها الجمعة، والجماعات، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، وعيادةُ المرضى، وحضورُ الجنائز، وما نزلتُ بيتًا خيرًا لي في ديني منه.

وبلغ ابن طاهر، فقال: نحن في حاجةِ ابن أسلم، أطلقوه (١).

وقال عليُّ بن الحسين الإسكافيّ: كُنْتُ أكتبُ لبُغا الكبير، فنكبَني واستأصلني، وحبسني وتهدَّدني، فأقمتُ أنتظرُ منه المكروه، فبينا أنا كذلك إذ دخل إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ صاحبُ الشرطة، فأيقنتُ بالعذاب، فقال: لا بأسَ عليك، فإنَّ عبدَ الله بن طاهر قد كاتب بغا فيك، وقد ردَّ عليك ضياعَك وأموالك، فانصرِفْ إلى منزلك، فلمَّا كان بعد ذلك سألتُه عن السبب فقال: كتبَ إليَّ عبدُ الله بنُ طاهر كتابًا يقول فيه: قد كانت كتبُ أخي أبي موسى بغا تَرِدُ عليَّ بمخاطباتٍ توجبُ المؤانسة، وتلزم الشكرَ والمنَّةَ، ثمَّ تغيَّرت، فخطر لي أنَّ ذلك الكاتبَ صُرِفَ ونكب، وحقٌّ لمن أحسنَ عشرتنا، وأكَّدَ المودَّةَ بيننا وبين إخواننا أن يُراعى حقُّه، فصر إلى أخي بغا، وسله في كاتبه أن يردَّه ويردَّ ما أخذَ منه، وإن طالبَه بمالٍ فاحمله من مالنا كائنًا ما كان، وقد أمر لكَ الأميرُ عبد الله بن طاهر بمالٍ فاقبضه، قال: فقبضته، وردَّني إلى مكاني (٢).

وقال أبو الفضل الربعيّ: لمَّا توجَّه ابنُ طاهر إلى خراسان قصدَه دعبل، وكان ينادمُه في الشهر خمسة عشرَ يومًا، فكان يصلُه في الشهر مئة ألف درهم، وخمسين ألف درهم، في كلِّ يومٍ ينادمه عشرة آلاف درهم، فلمَّا كثرت صلَاتُه توارى عنه حياءً منه، فنزلَ بعضَ الخانات، وطلبَه فلم يقدِر عليه، فكتب إليه: [من الطويل]

هجرتُك لم أهجرك من كُفر نعمةٍ … وهل يُرْتَجى نيلُ الزيادةِ بالكفرِ


(١) الفرج بعد الشدة ٢/ ١٥٨.
(٢) الفرج بعد الشدة ٢/ ١٦٢ - ١٦٣.