كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

السنة الثانية والثلاثون بعد المئتين - حبيب بن أوس - ج: 14 - ص: 430

لك وأنت تقول:

تغايرَ الشعرُ فيه إذ سهرتُ له

فقال: نعم لأنِّي سهرتُ في مدحِ ملك، ولم أسهر في مدح سُوقة، فعرفناه ولم نزل نتهادَاه بيننا، وجعلناه كأحدنا، واشتدَّ إعجابُنا به لظرفه وكرمه، وحسن عشرته، وجودة شعره (١).

وقال الحسين بن إسحاق، قلت للبحتريِّ: الناسُ يَزعُمون أنَّك أشعرُ من أبي تمَّام، فقال: والله ما ينفعني هذا القول، ولا يضرُّ أبا تمَّام، والله ما أكلتُ الخبزَ إلَّا به (٢).

وقال سَوّار بن أبي شُرَاعة (٣) للبحتريّ: أنتَ أشعرُ أم أبو تمام؟ فقال: لا والله، ذاك الرئيسُ المقدَّم الأستاذ، والله ما أكلنَا الخبز إلَّا به، وكان المبرِّدُ حاضرًا، فقال له: يا أبا عبيدة تأبى إلَّا شرفًا من جميع الوجوه. فقال له البحتريُّ: كان أبو تمام يجلسُ بحمص فيجتمع إليه الشعراء فيعرضونَ عليه قصائدَهم، فقدمت إليه وعرضت عليه قصيدًا، فأصغى إليَّ دونَهم، فلمَّا انصرفوا قال: أنت أشعرُ مَنْ (٤) أنشدني، كيف حالك؟ فشكوتُ إليه قلَّةً وحاجة، فكتب لي كتابًا إلى أولاد المعرَّة (٥) فأكرموني ودفعوا إليَّ أربعةَ آلاف درهم (٦).

وقال سعيدُ بن جابر الكَرْخِيّ: [حدثني أبي قال:] (٧) حضرنا يومًا عند أبي دُلَفْ القاسم بن عيسى ومعنا أبو تمام، فأنشده قصيدته التي يقولُ في أولها: [من الطويل]

على مثلها من أَرْبُعٍ وملاعبِ … أُذيلَتْ مصُوناتُ الدموعِ السَّوَاكبِ

---

(١) تاريخ بغداد ٩/ ١٥٩ - ١٦٠.
(٢) تاريخ بغداد ٩/ ١٦٠.
(٣) في (خ) و (ف): سوار بن سراعة. والتصويب من المصادر.
(٤) في (خ) و (ف): من كلهم أنشدني. والمثبت من أخبار أبي تمام.
(٥) في (خ) و (ف): المغيرة. وهو تصحيف.
(٦) هذا الخبر هو مجموع من خبرين ذكرهما الصولي في أخبار أبي تمام، فخبر السؤال للبحتريّ: أنت أشعر أم أبو تمام؟ في أخبار أبي تمام ص ٦٧، لكن السائل عنده: أبو عبد الله الحسين بن علي.
وخبر عرض البحتري شعره على أبي تمام في أخبار أبي تمام ص ٦٦، والأخير من طريق سَوَّار بن أبي شُرَاعة. وانظر أيضًا الأغاني ٢١/ ٤٠.
(٧) ما بين حاصرتين من أخبار أبي تمام ص ١٢١، وانظر الأغاني ١٦/ ٣٨٩.