للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليكَ سلامُ الله وَقْفًا فإنَّني … رأيت الكريمَ الحرَّ ليس له عُمْرُ

وما ماتَ حتَّى ماتَ مَضْرِبُ سيفه … من الضَّرب واعتلَّتْ عليه القَنا السُّمْرُ

وقد كان فوتُ الموتِ سهلًا فردَّهُ … إليه الحِفاظُ المُرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ

غدا غدوةً الموت (١) نسجُ ردائه … فلم ينصرفْ إلَّا وأكفانُه الأَجرُ

كأنَّ بني نبهانَ يومَ وفاته … نجومُ سماءٍ خَرَّ من بينها البَدْرُ

يُعَزَّوْنَ عن ثاوٍ يُعزَّى به العُلى … ويبكي عليه الجود والبأس والشِّعرُ (٢)

فقال أبو دلف: والله لودِدْتُ أنَّها قيلت فيَّ، فقال أبو تمَّام: لا بل أفدي بنفسي الأمير، وأكونُ المقدَّم قبلَه، فقال أبو دُلَف: إنَّه لم يمتْ من رُثِي بمثل هذا الشعر.

ودخل أبو تمَّام على الحسن بن رجاء مادحًا له فأنشده: [من الكامل]

عادتْ له أيَّامُه مُسوَدَّةً … حتَّى توهَّم أنَّهنَ ليالي

أضحى سَمِيُّ أبيكَ فيه مُصَدَّقًا … بأجلِّ فائدةٍ وأيمنِ فالِ

ورأيتَني فسألتَ نفسَك سَيبَها … لي ثُمَّ جُدْتَ وما انتظرتَ سؤالي

كالغيثِ ليس له أُريدَ غمامُه … أو لم يُرَدْ بدٌّ من التَّهطالِ

لا تُنْكِري عَطَلَ الكريمِ من الغِنَى … فالسيلُ حَربٌ للمكانِ العالي

وترقَّبي (٣) خَبَبَ الرِّكابِ يَنُصُّها … محيي القريضِ إلى مميتِ المالِ

بسطَ الرجاءَ لنا برغمِ نوائبٍ … كَثُرتْ بهنَّ مَصَارعُ الآمالِ

فقام الحسن قائمًا وقال: واللهِ لا أتممتَها إلَّا وأنا قائمٌ، فأتمَّها وهو قائم، فقال له الحسن: ما أحسن ما جَلوتَ هذه العروس، فقال أبو تمام: لو كانتْ من الحورِ العين لكان قيامُك لها أوفى مَهرها، فأعطاهُ الحسنُ عشرينَ ألفًا، على بخلٍ كان فيه.

وقال يحيى بن أبي عبَّاد: شهدتُ أبا تمام وهو ينشدُ إبراهيم بن المعتصم (٤) قصيدتَه


(١) كذا في (خ) و (ف). وفي الديوان ٤/ ٨١، وأخبار أبي تمام ص ١٢٥، والأغاني ١٦/ ٣٩٠: والحمد. بدل: الموت.
(٢) ديوان أبي تمام ٤/ ٧٩ - ٨٥ بتقديم وتأخير، والقصيدة فيه في ثلاثين بيتًا.
(٣) في ديوان أبي تمام ٣/ ٧٧، وأخبار أبي تمام ص ١٦٨، والأغاني ١٦/ ٣٩٢: وتنظَّري.
(٤) كذا في (خ) و (ف). والصواب -كما في أخبار أبي تمام ص ٢٣٠، وديوان أبي تمام ٢/ ٢٤٢ - : أحمد بن المعتصم.