للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مقاتل: نصب له ملك البَلْقَاءِ خشبة، وأراد صلبه لامتناعه من الدعاء عليهم، فركب أتانًا وخرج متوجهًا إلى جَبَل يُطْلِعُهُ على عسكر موسى، فوقف على جبل حسبان المطلِّ على الغور وعسكر موسى قريبٌ من أَريحَا، فما سار على الأتان غير بعيد حتى ربضت به، فنزل عنها وضربها حتى إذا أَذْلَقَها الضرب قامت، فركبها فلم تسر غير بعيد حتى ربضت، فنزل عنها وأخذ يضربها، فقالت له: وَيْحك إلى أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي (١) يردونني؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلم يرتدع حتى وقف عليهم ودعا عليهم، فجعل لا يدعو عليهم بشيء من الشر إلا انصرف إلى قومه، ولا يدعو لقومه بشيءٍ من الخير إلا صرفه الله إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: ويحَك ما هذا؟ فقال: شيءٌ لا أملكه، إلا أنه قد دعا عليهم أن لا يدخلوا المدينة فوقعوا في التيه (٢).

وخرجت من صدره حمامةٌ بيضاء وهي الإيمان والمعرفة.

وقال موسى: يا إلهي قد سمعتَ دعاءَه علينا فاسمع دعاءَنا عليه: اللهم انزع منه الاسم الأعظم، فنزع منه في الحال، واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لقومه: ذَهَبَتْ منِّي الدنيا والآخرة، ولم يبقَ إلا المكر والحيلة، وسأحتال لكم، زِّينوا النساءَ وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر ليبعنها فيه، وأمروهن أن لا يمنعن من أرادهنَّ فإنه إن زنى رجل منهم كُفيتم أمرهم، ففعلوا ذلك، فمرَّت امرأة من الكنعانيين يقال لها: كشى بنت صور برَجُلٍ من زعماء بني إسرائيل يقال له: زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يَعْقُوب فأعجبته، فقام وأخذ بيدها، ثم جاء حتى وقف على موسى وقال: إني لأظنك ستقول هذه حرام عليك، فقال: أجل والله إنها لحرامٌ عليكَ فلا تقربها، فقال: والله لا نطيعك في هذا، ثم دخل بها قبّتَه فزنى بها، فأرسل الله عليهم الطَّاعونَ في الوقت، فمات منهم في ساعةٍ واحدة سبعون ألفًا، وكان فنحاص بن العيزار صاحب أمر موسى غائبًا، فجاءه وكان شديد القوى فرأى الطاعون يجوسُ في بني إسرائيل، فقال: ما هذا؟ فأُخبر الخبر، فأخذ حربته وكانت من حديد


(١) في (ب): الملائكة والنار أمامي.
(٢) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٢٥٨، وعرائس المجالس ٢٤٠. وأذلَقها: بلغ منها الجهد.