للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيف سمعت؟ قال: إنَّ من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحبَّ المساكين، وقدَّم لآخرتِه كانت له المنزلةُ عند الله أكثر، وكانَ إليه أقرب، فقال له حاتم: فأنتَ بمن اقتديت، بالثقات، أم بالصحابة، أم بالنبيِّ ، أم بفرعون، أم بنمرود، فإنَّهما أولُ من بنى بالجص والآجر؟ يا علماءَ السُّوء، مثلكم كمثل الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها (١)، يقول: إذا كان العالمُ على هذه الحالة، لا أكونُ أنا شرًّا منه، ثمَّ خرجَ، وازداد [محمد بن مقاتل] الرازيّ مرضًا على مرضه [من كلام حاتم].

وبلغ أهل الرَّيِّ [ما جرى من حاتم وابن مقاتل، فقيل لحاتم:] (٢) إنَّ محمد بن عُبيد الطَّنافسيّ بقَزْوين أكبرُ سنًّا (٣) من ابن مقاتل، وهو غريقٌ في بحار الدنيا، فصار حاتم إلى قزوين، فدخلَ على الطنافسيّ، وعنده خلقٌ كثير، وهو يحدِّثهم في داره، فرأى في داره أعظمَ ما رأى في دارِ ابن مقاتل، فوقفَ على رأسه وسلَّم، فقال الطنافسيُّ: اقعد، فقال: أنا رجلٌ أعجمي، أتيتُك لتعلمني مبدأ ديني، ومفتاح صلاتي، وهو الوضوء، قال: نعم، يا غلام، إناء فيه ماء، فأحضره، فتوضأ الطنافسيُّ ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ قال لحاتم: توضَّأْ هكذا، فتوضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، وزادَ واحدةً، فقال الطنافسيُّ: أسرفت وزدتَ على الثلاث، فقال: يا مسكين، أنا في كفٍّ واحدٍ من ماء أسرفت، وأنتَ فيما أنت فيه من الدنيا [ما أسرفت]؟! ففهمَ الطنافسيُّ [أنَّه أراد أن ينكيه]، فدخلَ بيته، ولم يخرج إلى الناس أربعين يومًا.

[وكتب التجار إلى بغداد بما جرى لحاتم مع ابن مقاتل والطنافسيّ،] ثم قدم [حاتم] بغداد.

[قال الخطيب بإسناده إلى أبي عبد الله الخوَّاص -وكان من أصحاب حاتم- قال: لما دخل حاتم بغداد اجتمع] إليه أهلها وقالوا [له] أنت رجل أعجميٌّ، ليس يكلِّمُك


(١) في (خ) و (ف): مكالب على الدنيا، راغب فيها. والمثبت من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب). ومكانها في (خ) و (ف): ذلك فقال.
(٣) كذا في (خ) و (ف) و (ب)، والطبقات السنية ٣/ ١٧، وفي حلية الأولياء ٨/ ٨١: إن الطنافسي ببغداد أكثر شيء من هذا، وفي مناقب الأبرار ١/ ٢٤٩: أكثر شيئًا من هذا.