للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتجَّ الفريق الأول بقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] وبما روى أحمد بإسناده عن ابن عمر قال: صلَّى بنا رسول الله العشاء في آخر حياته، فلما سلم بهم قال: "أرأَيتُم لَيلَتكُم هذه، فإنَّ على رأسِ مئةِ سنةٍ منها لا يَبقَى ممن هُو على ظَهرِ الأرضِ أَحدٌ". قال ابن عمر: فذهل الناس من مقالته. متفق عليه (١).

وبما أخرج مسلم عن جابر عن رسول الله أنه قال: "ما مِن نَفسٍ منفُوسةٍ تبلُغُ مئةَ سنةٍ وهي حيةٌ يومئذٍ" (٢).

قالوا: ولأن الخضر لو كان حيًا لأتى إلى النبي .

ووجه قول الفريق الثاني: ما ذكرناه من إجماع أرباب الحقائق وهو لا يتصوَّر تواطؤهم على الكذب، وكفى بإجماعهم حجة. ومن أنكر حياة الخضر لم يكن له ذوق بإشارات القوم، لأن مثل هذا إنما يعرفه الباحث من جنسه، وسنذكر اجتماعَ من سمَّينا به في سير القوم في كتابنا عند تراجمهم.

وأما ما احتجوا به من قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ فما ادَّعوا أنه مخلَّد، وإنما يبقى إلى انقضاء الدنيا، فإذا نفخ في الصور مات لقوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [الأنبياء: ٣٥] وأما ما حدَّث ابن عمر وجابر فمتروك، والظاهر أنَّ جماعةً عاشوا أكثر من مئة سنة منهم: سلمان الفارسي، فإنه عاش ثلاث مئة سنة وقد شاهد رسول الله ، وحكيم بن حزام مئة وعشرين وغيرهما. وإنما أشار إلى ذلك الزمان لا إلى ما تقدم وهو الأليق به، على أنه قد عاش بعد ذلك الزمان خلق كثير أكثر من مئة سنة.

وقولهم لو كان حيًا لأتى إلى رسول الله ، فيحتمل أنه تركه إجلالًا أو عذرًا وطلب من الله الإذن في ذلك. وقد كان في زمان رسول الله جماعة ممن آمن به منعهم الأعذار عن لقائه كأبي مسلم الخولاني وأُويس القَرَنيُّ وغيرهما، ويحتمل أنه اجتمع به ولم ينقل.


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٥٦١٧)، والبخاري (١١٦)، ومسلم (٢٥٣٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٣٨).