للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو عبد الله بن الجلّاء: لقيت ستَّ مئة شيخ ما لقيت منهم مثل أربعة، ذو النون أحدهم (١).

[ذكر سبب توبته وتخلِّيه عن الدُّنيا وإقباله على الآخرة:

واختلفوا على أقوال؛ أحدها ما ذكره في "المناقب" عن سالم المغربي قال:] (٢) قلت لذي النون: ما كان سبب توبتك؟ فقال: خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمتُ في بعض الصحارى، ففتحتُ عيني فإذا بقُنْبُرةٍ عمياء، قد وقعت من وكرها على الأرض، فانشقَّ الموضعُ، فخرج منه سُكْرُجتان، إحداهما من ذهب، والأخرى من فضة، وفي إحداهما سِمْسِم، وفي الأخرى ماء، فجعلت تأكلُ وتشرب (٣)، فقلت: حسبي، قد تبت، ولزمتُ البابَ إلى أن قبلني.

[والثاني: قرأتُ على شيخنا الموفق من كتاب "التوابين"] (٤) بإسناده إلى ذي النون قال: كنتُ يومًا إلى جانب غدير ماء، وإذا بضفدع قد خَرَجَت من الغدير، وهناك عقرب، فركبتِ الضفدع، وجعلت تسبحُ بها حتى عبرت، فقلت: لهذه شأن [عظيم]، فتبعتُ العقرب، فجاءت إلى رجلٍ نائمٍ وهو سكران، وعلى صدره حيَّةٌ، وهي تطلب أذنَه لتدخلَ فيها، فضربَتْهَا العقربُ فانقلبت الحيَّة ميتة، ورجعت العقربُ إلى الغدير، والضفدع واقفةٌ تنتظرُهَا، فركبتْهَا وعبرت، [فحرَّك ذو النون الرجلَ وقال:] (٥) ويحكَ اقعد وانظر ممَّ نجَّاك الله، ثم [أنشأ ذو النون يقول:] [من المنسرح]

يا نائمًا والجليلُ يحرسُه … من كلِّ سوءٍ يَدِبُّ في الظُّلمِ

كيفَ تنامُ العيونُ عن مَلِكٍ … تأتيك منه فوائدُ النِّعَمِ

فنهضَ الرجل وقال: إلهي، هذا فعلُك مع من يعصيك، فكيف من يطيعك؟! ثمَّ


= أسانيدها نظر، وكان واعظًا، وانظر مناقب الأبرار ١/ ٨٢.
(١) تاريخ بغداد ٩/ ٣٧٤.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال سالم المغربي.
(٣) بعدها في (ب): من الأخرى، وفي مناقب الأبرار ١/ ٨٥: فجعلت تأكل من هذا، وتشرب من هذا.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال شيخنا موفق الدين.
(٥) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): فحركت الرجل وقلت.