للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تاب وحسنَتْ توبتُه (١)، [وشاهدت ذلك.

والثالث: حكاهُ عبد الله بن باكويه الشيرازي بإسناده إلى يوسف بن الحسين الرازي: استأنست بذي النون] (٢) فقلت له: أيُّها الشيخ، ما كان بدوُّ شأنك؟ فقال: كنت شابًّا صاحبَ لهوٍ ولعب، ثمَّ تُبتُ، وتركتُ ذلك، وخرجت حاجًّا إلى مكَّة ومعي بُضَيِّعَة (٣)، فركبتُ في مركبٍ مع تجَّار من مصر، وركبَ معنا شابٌّ صَبيح الوجه، [كأن وجهه يشرق]، (٤) فلمّا توسَّطنا البحر فقد صاحبُ المركب كيسًا فيه مال، وأمر بحبس المركب، ففتَّشَ من فيه، وأتعبهم، فلمَّا وصلوا إلى الشاب ليفتِّشُوه، وثبَ وثبةً من المركب حتى جلس على أمواج البحر، وقام له الموجُ على مثال السرير، ونحن ننظر إليه، ثمَّ قال: يا مولاي، إنَّ هؤلاء اتَّهموني، وإني أُقسِم عليك يا حبيب قلبي أنْ تأمر كل دابَّةٍ في هذا المكان أنْ تُخرِجَ رأسَها وفي [أفواهها جوهر] (٥). قال ذو النون: فما تمَّ كلامُه حتى رأينا دوابَّ البحر أمام المركب وحواليه وقد أخرجت رؤوسها، وفي فم كل دابَّةٍ منهنَ (٦) جوهرةٌ تتلألأ، ووثبَ الشابُّ من الموج، وجعلَ يتبختر على متن الماء ويقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ حتى غابَ عن بصري، فهذا الذي حملني على السياحة.

[ذكر طرف من أخباره] (٧)

وقال ذو النون: جَنَّني الليلُ في سواد نيل، فنمتُ بين زرعها، وإذا بامرأةٍ سوداء قد أقبلت فأخذت سنبلةً ففركتها، ثم بكت، وقالت: يا من بذره حبًّا في أرضٍ يابسةٍ ولم


(١) كتاب التوابين ص ٢٣٤ - ٢٣٥. وظاهر أن هذه القصة في توبة الرجل السكران، لا توبة ذي النون. والله أعلم.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): قال يوسف بن الحسين الرازي: كنت مع ذي النون.
(٣) في (خ) و (ف): بضيعتي. والمثبت من (ب) وكتاب التوابين ص ٢٣٣.
(٤) في (خ) و (ف): يشرق وجهه. والمثبت من (ب).
(٥) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وفي فيها جوهرة.
(٦) في (ب): كل واحدة منهم.
(٧) ما بين حاصرتين من (ب). ومن قوله: وقال ذو النون .... إلى قوله: وقال: حججت مرة. ليس في (ب).