للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت: آيةٌ من كتاب الله وهي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٧]، فكلَّما دخلتُ بلدًا يُعصى فيه حبيبي لم يَهنني فيه قرار، فقال لها: صِفي لي المحبة، فقالت: سبحان الله، أنت تتكلم بلسان المعرفة، وتسألُني عن المحبة؟! فقال: نعم، للسائل حقُّ الجواب، فقالت: نعم، أول المحبة لَهَجُ القلب بذكر المحبوب، مع الشوق الدائم، والوجد الملازم، فإذا انتهى المحبُّ إلى أعلى درجاتها، شغلَه وجدان الحال (١) عن كثيرٍ من أعمالِ الطَّاعات، ثم أَخَذَتْ في الشهيق والبكاء، وولَّت وهي تقول:

أحبُّك حبينِ حب الوداد … وحبًّا لأنَّك أهلٌ لذَاكَا

فأمَّا الذي هو حبُّ الوداد (٢) … فحبٌّ شغلتُ به عن سواكَا

وأمَّا الذي أنتَ أهلٌ له … فكشفكَ للحُجْب حتى أراكَ

فما الحمدُ في ذا ولا ذاكَ لي … ولكن لك الحمدُ في ذا وذاكَا

قال: ثم غابت عني (٣).

وقال ذو النون: بينا أنا أسير في بعض بلاد الشام، وإذا بعابدٍ قد خرجَ من كهفٍ، فلمَّا رآني استترَ عني بين الأشجار، ثم قال: أعوذُ بك يا سيِّدي ممَّن يشغلُني عنك، يا مأوى القلوب، ويا حبيبَ المشتاقين، ويا مُعِين الصادقين، ويا غايةَ أمل الآملين، ويا قرَّةَ عين المحبِّين، ثم صاح: واغمَّاه من طول المكث في هذه الدار، فدنوتُ منه وقلت له: بالذي تسيرُ إليه، ادع لي، فقال: سبحان من أذاق قلوب العارفين حلاوةَ الانقطاع إليه، فلا شيء عندهم ألذّ من الخلوة به، والتضرُّع بين يديه، قدوس قدوس، خففَ الله عليكم مؤنةَ نصبِ المسير إلى بابه، ثم هرب بين الشجر (٤) كأنَّه هاربٌ من سَبُع (٥).


(١) كذا في (خ) و (ف). وفي حلية الأولياء ٩/ ٣٤٨: الخلوات، وفي مناقب الأبرار ١/ ٨٨: وجدان عن كثير.
(٢) في حلية الأولياء ومناقب الأبرار: حب الهوى. في الموضعين.
(٣) في الحلية. ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الدنيا.
(٤) من هنا إلى قوله: وسأله المقام. ورقة مفقودة من النسخة (ف).
(٥) انظر الخبر بنحوه في حلية الأولياء ٩/ ٣٥٦، ومناقب الأبرار ١/ ٨٨، وصفة الصفوة ٤/ ٣٦٠ - ٣٦١.