للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال [ذو النون:] حججتُ مرَّةً، فبينا أنا أطوفُ في ليلةٍ مظلمةٍ إذا بشخصٍ قد تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يبكي ويقول: [من الكامل]

روَّعتَ قلبي بالفراقِ فلم أجد (١) … شيئًا أمرَّ من الفراقِ وأوجعَا

حسب الفراقِ بأنْ يفرِّقَ بيننا … ولطالما قد كنتُ منه مروَّعَا

[قال:] فدنوتُ منه فتجلَّل بخمار، وقال: غُضَّ بصرَك، فإني حرام، فعلمتُ أنَّها امرأة، فقلتُ: بم تستولي الهمومُ على قلب المحبّ؟ قالت: لأنَّ الشوقَ يورثُ السقام، ثمَّ قالت: [من الخفيف]

لم أذق طيبَ (٢) طعمِ وصلكَ حتَّى … زال عنِّي محبَّتي للأنامِ

ثم غابت عني.

[ذكر قصة يوسف بن الحسين الرازي مع ذي النون في الاسم الأعظم:

حكى ابن خميس في "المناقب" عن يوسف بن الحسين الرازي قال:] (٣) بلغني أنَّ ذا النون يعرف اسم الله [تعالى الأعظم]، فخرجتُ إليه قاصدًا من مكَّة، فوافيته بجيزة مصر، فدخلتُ عليه، فاستبشع منظري؛ لأني كنتُ طويلَ اللحية، وفي يدي ركوةٌ كبيرةٌ، وأنا متَّزر بمئزرٍ من صوف، وعلى كتفي مثله، فسلَّمت عليه، فلم أر منه تلك [الساعة] البشاشة، فأقمتُ عنده يومين، فجاءَه رجلٌ من المتكلِّمين، فناظره [في علم الكلام]، فظهرَ على ذي النون، فتقدَّمتُ إلى الرجل فناظرتُه حتى قطعتُه، فقال ذي النون: اعذرني، فما عرفتُ محلَّك من العلم، فكان يكرمُني بعد ذلك، فأقمتُ عنده سنةً، فقال لي: ما الذي تريد؟ فقلت: بلغني أنَّك تعرفُ الاسم الأعظم، فعلِّمني إيَّاه، فأعرضَ عني مدَّةً، ثم أخرجَ لي سلَّة مشدودة الرأس بخيط (٤)، وقال: تعرف صاحبنا فلانًا بالفُسْطَاط؟ قلت: نعم، قال: احمل إليه هذه، فأخذتُها وخرجتُ إلى بعض


(١) في (خ): يكن. والمثبت من (ب). وحلية الأولياء ٩/ ٣٧٥، ومناقب الأبرار ١/ ٨٩.
(٢) لفظة: طيب. من (خ)، وليست في (ب) وفي حلية الأولياء ٩/ ٣٧٥، ومناقب الأبرار ١/ ٩٠: طعم. وما سلف بين حاصرتين من (ب).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ): وقال يوسف بن الحسين الرازي.
(٤) في حلية الأولياء ٩/ ٣٨٧، وتاريخ بغداد ١٦/ ٤٦٥، ومناقب الأبرار ١/ ٩١ أنه أخرج إليه من بيته طبقًا ومكبة مشدودًا في منديل.