للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليك بصحبة الصالحين، ومن يذكرك اللهَ رؤيتُهُ، ويقع على باطنك عملُه، ويعظُك بلسانِ فعله لا بلسان قوله (١).

وقال ذو النون: ما خلعَ الله على عبدٍ خلعةً أحسن من العقل، ولا قلَّده قلادة أجمل من العلم، ولا زيَّنه بزينةٍ أفضلَ من الحلم، وكمالُ ذلك كلَّه التقوى (٢).

وقال: إلهي لو سمعتُ موئلًا في الشدائد غيرك، أو ملجأً في النوازل سواك، لحقَّ لي أن لا أعرض وجهي؛ لقديم إحسانك إليَّ وحديثه، وظاهر منَّتك علي وباطنها، ولو قَطَّعني البلاءُ إربًا إربًا، وانصبَّت عليَّ الشدائدُ صبًّا، ليس لي مشتكىً غيرك ولا مفرِّجًا سواك، فيا وارثَ الأرض ومن عليها، وباعثَ جميع من فيها، ورِّث أملي فيك مني أملي، وبلغ همَّتي فيك منتهى وَسائلي (٣).

[وحكى عنه في "المناقب" عن إبراهيم البنا قال:] (٤) صحبت ذا النون من إخميم إلى الإسكندرية، فلمَّا صرنا ببعض الطريق حضرَ وقتُ إفطاره، فأخرجَ مزودًا فيه سويق الشعير، فاستفَّ منه سفة، وأخرجتُ قرصًا وملحًا كان معي، فنظرَ إليَّ وقال: ملحُك مدقوق؟ قلت: نعم، فقال: ليس تفلح، ثمَّ كان يتناولُ من مزودِه كلَّ ليلةٍ سفَّة، فكان هذا دأبَه إلى الإسكندربة، [قال:] فتقاصرت إليَّ نفسي، فلمَّا عزمَ على فراقي [قلت له: أوصني، فـ] (٥) قال: عانقِ الفقرَ، وتوسَّد الصبرَ، وعادِ الشهوات، وخالف الهوى، وافزع إلى مولاك في أمورك كلِّها، فعند ذلك يورثُك الله الشكرَ والرضا والمحبّة والرجاء (٦).

وقال ذو النون: صحبني أسود في التيه، فكان إذا ذكرَ الله ابيضَّ لونُه، [فقلت له: ما هذا؟ فقال: لو ذكرتَهُ على الحقيقة لتغيَّر لونك، ثم قال:] [من الطويل]


(١) صفة الصفوة ٤/ ٣١٦. ومن قوله: وسأله رجل … إلى هنا ليس في (ب).
(٢) صفة الصفوة ٤/ ٣١٧.
(٣) صفة الصفوة ٤/ ٣١٧، وهذا القول ليس في (ب).
(٤) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال إبراهيم البنا. وانظر مناقب الأبرار ١/ ١٠٥ - ١٠٦.
(٥) ما بين حاصرتين من (ب).
(٦) مناقب الأبرار ١/ ١٠٥ - ١٠٦.