للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعفَّةً وكرمًا.

وكانت تُخرجُ صدقات السرِّ على يدِ كاتبها أحمد بن الخَصيب، قال: بينا أنا ذات يوم جالسٌ في الديوان، إذ خرجَ خادمٌ ومعه كيس وقال: السيدةُ تقول لك: خذ هذه الألف دينار من طيِّبِ مالها، وادفعهَا إلى قومٍ مستحقِّين، واكتب أسماءَهم وأنسابَهم ومنازلهم، وكلَّما جاءَ من هذه الناحية شيءٌ صرفناه إليهم، فأخذتُ الكيس، [وصرتُ إلى منزلي، ووجَّهتُ خلف من أثقُ به، فعرَّفتُهم ما أمرتُ به] (١)، وسألتُهم أن يُسمُّوا لي من يعرفون من أهل الحاجة، فسموا لي جماعةً، ففرَّقتُ فيهم ثلاثَ مئة دينار، وجاءَ الليل وبقيَّةُ المال بين يدي، لعلِّي أصيبُ مستحقًّا، وأنا أفكر في سامرَّاء وبعد أقطارها، وتكاتف أهلها، ليس بها مستحقّ، ومضَى من الليل ساعة، وغُلِّقتِ الدروب، وطاف العسس، وإذا بالباب يدقُّ، فقلتُ للغلام: انظر من هذا، فخرج وعاد وقال: فلان العلويّ يستأذنُ عليك، وعندي بعض حرمي، فقلت: كونوا وراء هذا الستر، فما قَصَدَنا هذا الرجلُ في هذا الوقت إلَّا لحاجة، فلمَّا دخل سلّم وجلس، فسألتُه عن حاله، فقال: طرقني في هذا الوقت طارقٌ لرسول الله به اتصال، والله وما عندنا شيء، ولم يكن في جواري من أفزعُ إليه سواك، فدفعتُ إليه دينارًا، فأخذَه وشكر وانصرف، فخرجَتْ ربَّةُ البيت فقالت: يا هذا، تدفعُ إليك السيدة ألفَ دينار تفرِّقُها إلى مستحق، فمن ترى أحق من ابن رسول الله مع ما شكاه (٢) إليك، فقلت: فما أصنع؟ فقالت: ادفع إليه الكيس كلَّه، فقلتُ: يا غلام رُدَّه، فرَدَّه، فحدَّثتُه الحديث، ودفعتُ إليه الكيس، فأخذه وانصرف، فلمَّا ولَّى عني جاءني إبليس وقال: المتوكِّلُ وانحرافه عن أهل البيت، تدفع إليك أمُّه ألفَ دينارٍ لتدفعَها إلى أقوامٍ تكتَب أسماؤهم وأنسابُهم ومنازلُهم، تعطي واحدًا سبعَ مئة دينار، فبماذا تحتجّ، وأيُّ عذرٍ لك؟ فقلت لربة المنزل: أوقعتيني فيما أكره، وعرَّفتُها ما خطر ببالي، فقالت: اتَّكل على جدِّهم،


(١) ما بين حاصرتين من المنتظم ١١/ ٣٤٧.
(٢) في (خ) و (ف): مع شفاه، والمثبت من المنتظم.