للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعلت تردِّدُ (١) القول، وقمتُ إلى فراشي فما أخذني النوم، فلمَّا كان بعد ساعة إذا البابُ يُدَقّ، فقلت للغلام: اخرج، فخرج وعاد وقال: رسول السيِّدة يأمرُك بالركوب الساعة، وجاء آخر وآخر، فقلت: جاءني ما كنتُ أحذر، فركبتُ والليل قد تهوَّر (٢)، فأدخلني الخدمُ إلى الستر وقالوا: السيدة تسمع كلامك، فأجبها، فقالت: يا أحمد، أحساب ألف دينار أم سبع مئة دينار؟ وهي تبكي، فقلت في نفسي: بليَّة العلوي، أخذَ المال، ومضى إلى السوق اشترى ما يحتاج إليه، وفتح الدكاكين، فكتبَ أصحابُ الأخبار إلى المتوكِّل، وقد أمر بقتلي، وهي تبكي رحمةً لي، ثم كررت القول وسألتني عن الحساب، فحدَّثتُها حديثَ العلويّ، فبكت وقالت: يا أحمد، جزاكَ الله خيرًا، وجزى من في منزلك خيرًا، تدري ما كان من خبري الليلة؟ قلت: لا يا أم أمير المؤمنين، قالت: كنتُ نائمةً في فراشي، فرأيتُ رسول الله ﷺ وهو يقول لي: جزاكِ الله خيرًا، وجزى أحمدَ بن الخصيب خيرًا، وجزى من في منزله خيرًا، فقد فرَّجتم الليلة عن ثلاثة من ولدي، ما كان لهم شيء، ثم قالت: خذ هذا الحلي مع هذه الثياب والمال، فادفعه إلى العلوي، وقل له: نحن نصرفُ إليك كلَّما جاء من هذه الناحية، وخذ هذا الحلي والثياب والمال، فادفعه إلى زوجتك، وقل لها: جزاك الله خيرًا، فهذه دلالتك، وخذ هذه الثياب والمال لك، فأخذتُ الجميعَ وركبتُ إلى منزلي والنجوم بحالها، وجعلتُ طريقي على باب العلويّ، فقلت: أبدأ به، إذ كان الله رزقنا هذا الرزقَ بسببه، فطرقت البابَ، فخرج العلويُّ وقال: هات ما معك، فقلت: وما يدريك ما معي؟ فقال: انصرفتُ من عندك بما أخذتُه منك، ولم يكن عندنا شيء، فدفعتُ المال إلى بنت عمي، ففرحت وقالت: قم إلى الصلاة، وادعُ حتى أؤمِّن على دعائك، فقمتُ وصلَّيتُ ودعوتُ وهي تؤمِّن، ودعونا لك وللسيدة ولزوجتك، ثمَّ نمتُ، فرأيت جدِّي رسول الله ﷺ وهو يقول: قد شكرتُهم عنك، فإذا جاؤوك بشيءٍ


(١) في (خ) و (ف): تتردد. والمثبت من المنتظم.
(٢) تهور الليل: ذهب، أو ولَّى أكثره. القاموس (هور).