للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: إنِّي رأيتُ كثرة الجمع، وأنَّ الله ملَّكني عليهم، أحببتُ أن أتواضعَ لله تعالى.

وأقام نهار الأحد والإثنين والثلاثاء واجمًا، وقد منع ندماءَه عنه، فلمَّا كان في نهار الثلاثاء أصبحَ نشيطًا، فدعا بندمائه وجلسَ في مجلس الشراب، وبين يديه الندماء وأهلُ الطرب (١)، وأرسلت له قبيحةُ مُطرفَ خزٍّ أخضر، لم يرَ الناسُ أحسنَ منه، فنظرَ إليه واستحسنه، وأمرَ به فقُطِع نصفين، وردَّه عليها، وقال لرسولها: قل لها: تذكرني به، فوالله إنَّ نفسي تحدِّثني أنِّي لا ألبسُه، فما أريدُ أحدًا أن يلبسَه بعدي، فقال له ندماؤه: نعيذُك يا مولانا أن تقول هذا، فقال: أنا والله مفارقُكم عن قليل، [ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل] (٢). وكان قبلَ ذلك قد قُرِئ عليه كتابٌ (٣) فيه ملاحم، فمرَّ القارئُ على موضعٍ فيه أنَّ الخليفةَ العاشر من بني العباس يُقتَل في مجلسه، فقال المتوكل: ليتَ شعري من هذا الشقيُّ المقتول، ووجم فقيل له: أنتَ الحادي عشر، وذَكروا إبراهيم بن المهدي من جملة الخلفاء، فسرِّي عنه.

و [قال الصولي:] رأى [المتوكِّلُ] في منامه كأنَّ دابَّةً تكلّمُه، فقال لبعض جلسائِه: ما تفسيرُه؟ فورَّى بشيءٍ آخر، ثم قال في نفسه: حان هلاكُه لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢].

وكان قد عزم على قتل المنتصر والأتراك معه في تلك الليلة، فأحضرَه وجعلَ مرَّةً يسقيه، ومرَّةً يشتمُه، ومرَّةً يصفعُه، ومرَّةً يتهدَّده بالقتل، ثم قال [له:] قد خلعتُك من الخلافة، وكنت قد سمَّيتُك المنتصِر، فسمَّاك الناسُ (٤) لحمقك المنتظِر، ثم صرتَ الآن المستعجل، فقال: يا أمير المؤمنين، لو ضربتَ عنقي لكان أسهل عليَّ مما تفعلُ بي.

وكان المنتصر واقفًا مع زرافة التركي الحاجب، فخرج [المنتصر] وقال لزرافة: ألا تشيعني ساعةً حتى أشكو إليك ما ألاقي، فقال: بلى، وخرج معه فشيَّعه إلى داره، وجعل


(١) من قوله: وأقطع المتوكل ضياع وصيف … إلى هنا ليس في (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب). ووقعت هذه العبارة في (خ) و (ف) بعد قوله الآتي: دابة من الأرض تكلمهم. وانظر تاريخ الطبري ٩/ ٢٢٥.
(٣) في (ب): وقال الصولي: قرئ على المنتصر كتاب … وترتيب الأخبار في (ب) مختلف عما في (خ) و (ف).
(٤) في (خ) و (ف): فسماك الله. والمثبت من (ب) وتاريخ الطبري ٩/ ٢٢٥.