للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غاب استخلفها على الوعية، وكانت جبارة قاتلة للأنبياء تبرز في المواكب مثل الرجال، وتجلس في مجلس الحكم تقضي بين الناس، وكان لها كاتب مؤمن يكتم إيمانه قد خلَّص من يدها ثلاث مئة نبيٍّ من بني إسرائيل تريد قتلهم، سوى من قتلت ممن يكثر عددهم. وكانت في نفسها غير مُحْصَنة، ولم يكن على وجه الأرض امرأة أفحش منها، وهي مع ذلك قد تزوَّجت بسبعة ملوك من بني إسرائيل وقتلتهم بالاغتيال، وكانت معمرة فيقال: إنها ولدت سبعين ولدًا، قال: وكان لأخب الملك جارٌ صالح من بني إسرائيل يقال له: مرزكي وكانت له جُنَينة يعيشُ منها، وكانت إلى جانب قصر الملك، وكان أخب وامرأته يشرفان عليها ويتنزهان فيها، وكانت المرأة تحسد مرزكي لأجل تلك الجنينة، والملك يراعيه ويحسن إليه ولا يؤذيه، وكانت تحتال في قتل مرزكي لتأخذ الجنينة والملك ينهاها عن ذلك. فاتفق أنَّ الملك خرج في غزاةٍ وطالت غيبته، فاغتنمت امرأته ذلك فأقامت المرأة شهود زور أنَّ مرزكي صاحب الجنينة سبَّ الملك، وكان من حكمهم أن من سبَّ الملك قُتل، فأحضرت مرزكي وقالت: بلغني أنك شتمتَ الملك، قال: لا والله وإنه لمن أحب الناس إليَّ، فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور، فقتلته وأخذت الجنينة غصبًا. فلما قَدِمَ الملك أخبرته فقال: ما أصبتِ ولا وُفقت ولا أرانا نفلح بعده، ولا حملك على هذا إلا سَفَهُك وسوءُ رأيك، وقد جاورنا رجلٌ صالح وتحرَّم بنا منذ زمان طويل، فأحسنَّا جواره، فختمتِ أمره بأسوأ الجوار، فقالت: أنا غضبت لك وحكمت بحكمك، فقال لها: أَوَما كان يسعه حلمك عنه وتحفظين له جواره؟ قالت: قد كان ذلك. فغضب الله لعبده الصالح وأوحى إلى إلياس أن أخبر أخب وامرأته أنَّ الله قد غضب لوليِّه حين قتلته ظلمًا، وآلى على نفسه إن لم يتوبا من صنيعهما ويردَّا الجنينة على ورثة مرزكي أن يهلكهما في الجنينة ويدعهما (١) جيفتين مُلْقاتين فيها حتى تتعرى عظامهما من لحومهما، ولا يمتعان بها إلا قليلًا.

وبلغ الملك فغضب غضبًا شديدًا وقال لإلياس: والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلًا، وما أرى فلانًا وفلانًا- ملوكًا سماهم قد عبدوا الأوثان- إلا على مثل ما نحن


(١) في (ب): ويجعلهما.