للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، يأكلون ويشربون ويتمتعون، ما نقص من دنياهم ولا من أمرهم الذي تزعم أنه باطل شيء.

وهمَّ الملك بقتل إلياس، فخرج عنه فلحق بشواهق الجبال فدخل مغارة وتحصن بها وعاد أخب إلى عبادة بعل، وأقام إلياس سبع سنين في شواهق الجبال يأكل من نبات الأرض وثمار الأشجار، وقد وضع عليه الملك العيونَ واجتهد في طلبه، والله يستره عنهم. فلما تمَّ له سبع سنين أَذِنَ الله في إظهاره عليهم وشفاء غيظه منهم، فأمرض الله ابنًا لأخب (١)، وكان أحبَّ ولده إليه وأعزهم عليه وأشبههم به، فأُدْنِفَ حتى يئس منه، فدعا صنمه بعلًا، وكان (٢) له أربع مئة سادن، وكان الشيطان يدخل في جوف الصنم فيتكلم، وكان السدنة يصغون إليه، فيوسوس لهم بشرائع من الضلال، فيعلمونها الناس ويسمُّونهم الأنبياء. فلما اشتدَّ مرض ابن الملك طلب الملك من السدنة أن يشفعوا إلى الصنم في ابنه، فدعوه فلم يجبهم ومنع اللهُ الشيطانَ الدخولَ فيه، وأكثروا الدعاء والصنم لا يجيبهم، فقالوا له: إن إلهك غضبان عليك، قال: ولم؟ قالوا: لأنك ما قتلتَ عدوَّه إلياس، لأنه كافر به يعبد غيره. فقال: لو قدرت عليه لقتلته. قالوا: فإنَّ بالشام آلهة أخرى غير إلهك فاطلب منها الدعاء لولدك. فأرسل الأربعمائة إلى الشام إلى أصنام أخر يسألونها الدعاء لولده، فانطلقوا حتى إذا كانوا بحيال الجبال التي فيها إلياس فأوحى الله إليه: انزل إليهم ولا تخفْ فإني سأصرف شرَّهم عنك، وألقي في قلوبهم الرعب. فنزل إليهم وقال: إنَّ الله أرسلني إليكم وإلى مَن وراءكم فاسمعوا أيها القوم رسالةَ ربكم فإني ناصح لكم لتبلغوا صاحبكم، فارجعوا إليه وقولوا له: إنَّ الله يقول: يا أخب، ألم تعلم أني أنا الله الذي لا إله إلا أنا، إله بني إسرائيل وإله السماوات والأرض، أليس من جهلك أن تطلب الشفاء لابنك من غيري؟ إني حلفتُ بعزَّتي وباسمي لأغيظنَّك في ابنك ولأميتنَّه من فوره هذا، حتى تعلم أنَّ أحدًا لا يملك شيئًا دونى. فلما قال لهم هذا، رجعوا إلى الملك وقد امتلؤوا رعبًا وقالوا: نزل علينا إلياس من الجبل، وهو رجل نحيف طوال قد قشف وتمعَّط شعره، وعليه جبَّة صوف


(١) في (ب): ابنا الملك.
(٢) في (ب): فلم يجب سدنته وكانوا أربعمائة.