للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى كأنِّي أتيتُ معصيةً … ليس لها توبةٌ تخلِّصُنِي

فهل شفيع لنا إلى ملكٍ … قد زارَني في الكَرى فصَالحَنِي

حتَّى إذا ما الصباحُ لاحَ لنا … عادَ إلى هجرهِ فصَارَمَني

[قال:] فصاحَ المتوكِّلُ، وصحتُ معه، وسمِعَتْ فخرجَتْ، فأكبَّت على رجله تقبِّلُها، وقالت: يا سيِّدي، رأيتُك في المنام في ليلتي هذه كأنَّك قد صالحتَني، فقال: وأنا والله رأيتُ كذلك، ثم ردها إلى مرتبتِها كأحسن ما كانت.

[قال: فلمَّا كان من أهل (١) المتوكِّل ما كان، تفرقنَ، فصرنَ إلى القواد، وصارت محبوبةُ إلى وصيف. تمام الحكاية، وأنَّ وصيف قال لها: غنِّي، فغنَّت:

أيُّ عيشٍ يطيبُ لي … لا أرَى فيه جعفرَا

قال: ثم صارت إلى قبيحة، فلبست الصوف، وأخذت ترثيه وتبكي حتى ماتت.] (٢)

وكان (٣) للمتوكِّل خادم اسمه شفيع، لم يكن في الدنيا أحسن منه ولا أظرف، وكان المتوكِّل يحبُّه حبًّا شديدًا، وكان محمد بن عبد الملك الزيّات قد عَلِقَه، وشاركَه في محبَّته الحسن بن وهب، وجرت منها قصص، آخرها أنَّ محمد بن عبد الملك قال للحسن: انزل لي عن محبَّةِ شفيع، فقال له الحسن: طاعتُك فرض، ولكن أنت أولى من آثر، فقال له ابن الزيات: هذه علةٌ نفسانية تُفضي بصاحِبها إلى التلف، فقال له الحسن: إذا بلغَ الأمر إلى هذا، فسمعًا للوزير وطاعة (٤).

وكان المتوكِّلُ قد كتبَ على خدِّ شفيع الأيمن بالمسك (٥): [من مجزوء الكامل]

بَدر على غصن نَضير … مسح الترائبَ بالعبير (٦)

وعلى عاتقه الأيسر:


(١) في اعتلال القلوب: من أمر.
(٢) اعتلال القلوب ص ١٩٣ - ١٩٤. وما بين حاصرتين من (ب).
(٣) من هنا إلى قوله: أسند المتوكل الحديث. ليس في (ب).
(٤) العقد الفريد ٦/ ٤٠٢.
(٥) في العقد الفريد ٦/ ٤٢٦ أنَّ شفيع كتب على عاتق قبائه الأيمن بالمسك.
(٦) في العقد الفريد: شَرِقُ الترائبِ بالعبير.