للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيُّ عيشٍ يطيبُ لي … لا أرى فيه جعفرَا

ملكًا قد رأته عيـ … في جريحًا معفَّرَا

كلُّ من كان هائمًا … أو سقيمًا فقد بَرَا

غيرَ محبوبة التي … لو ترى الموتَ يُشتَرى

لاشترتهُ بما حوتـ … ـه جميعًا لتُقْبَرا (١)

فاشتد ذلك على وصيف، وأمرَ بإخراجها، فصارت إلى قبيحة، ثم بعث وصيف بعد ذلك إلى قبيحة يطلبُها، فقالت: إنها تمسَّحت -أي: لبست مِسْحًا- ومضت، لا أدري إلى أين صارت.

[قلت: وهذه الجارية أهداها ابن طاهر إلى المتوكِّل من خراسان، وقد ذكر الحكاية الخرائطيُّ في كتاب "اعتلال القلوب" أتمَّ من هذا، فقال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إسحاق الجوهري قال:] قال [لي] علي بن الجهم: لما أفضت الخلافةُ إلى المتوكِّل، أهدى إليه ابن طاهر من خراسان جواري، فيهن [جاريةٌ يقال لها:] محبوبة، وكانت قد نشأت بالطَّائف، وكان لها مولًى مغرًى بالأدب، وكانت قد أخذت عنه، وروت الأشعار، وكان المتوكِّلُ بها معجبًا (٢)، فغضبَ عليها يومًا، ومنع جواري القصر من كلامها، فكانت في حجرتها أيَّامًا لا يكلمُها أحد، فرأت في المنام كأنَّه قد صالحها، قال [عليُّ] بن الجهم: فدخلت عليه، فقال: يا عليّ، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أشعرتَ أنِّي رأيتُ محبوبة في المنام كأنِّي قد صالحتُها وصالحَتني، فقلت: خيرًا يا أمير المؤمنين، إذًا يُقِرُّ الله عينك ويسرُّك، فوالله إنَّا فيما نحن فيه من حديثها، إذ جاءت وصيفةٌ فقالت له: يا سيدي، سمعتُ صوتَ عودٍ من حجرة محبوبة، فقال: يا عليّ، قم بنا، فنهضنا حتى أتينا حجرتَها، فإذا هي تضرب بالعود وتقول: [من المنسرح]

أدورُ في القصر لا أرى أحدًا … أشكو إليه ولا يُكلِّمني


(١) انظر اعتلال القلوب ص ١٩٤، ومروج الذهب ٧/ ٢٨٦، والأغاني ٢٢/ ٢٠٢، ومختصر تاريخ دمشق ٦/ ٩١ - ٩٢.
(٢) في (ب) -وما سلف بين حاصرتين منها-: محبًّا.