للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل القرب، ومواطن أهل الصفاء، وأحرقت بالخشية منك مواد الشكوك، حتَّى يرتعَ بك اليقين فِي رياض الأنس، فتصيرَ له جليسًا، ويكون لك طبيبًا وأنيسًا، فقلت: بالذي أكرمكم بهذه الكرامة من أنتم؟ قالوا: نحنُ الأبدال، أكرمَنا الله بهذه المائدة، ثمَّ غابوا عني.

[ذكر طرف من كراماته:

وقد حكينا أنَّ الله قيَّضَ له الدنيا تخدمُه، وحديثَ الكوز، وحديثَ المرأة أخذَ ولدها الوالي.

وقال فِي "المناقب": قال علَّان الخيَّاط: كان لسريّ تلميذةٌ، ولها ولد عند المعلِّم فِي الكتَّاب، فأرسله المعلِّمُ إلى الرَّجَا (١)، فنزلَ فِي الماء، فغرق، فجاءَ المعلِّمُ إلى سريٍّ فأخبره، فقال: قوموا بنا إلى أُمِّه، فجاؤوا فجلسوا عندها، وأخذَ سريٌّ يتكلَّم، ثم تكلَّم فِي علوم الرضى، فقالت: يا أستاذ، ما تريدُ بهذا؟ فقال: ابنُك قد غرق، فقالت: ما فعلَ ربِّي هذا، أين غرق. قال: فِي الرَّجَا، فقالت: قومُوا بنا إليه، فجاؤوا إلى الرَّجا، فقالت: أين غرق؟ فأشارُوا إلى مكانٍ فِي النهر، وقالوا: هاهنا، فصاحت: ابني محمد، فقال: لبيكِ يا أمَّاه، فقالت (٢) ونزلت فأخذت بيده، ومضت إلى منزلها.

وكان مع سريٍّ جماعةٌ من أصحابه، فقال لهم سريّ: ما تقولون فِي هذا؟ فقال الجنيد: إنَّ المرأةَ مراعيةٌ لحقِّ الله تعالى، ومن حُكْمِ من كان هكذا أنْ لا يُحدِث الله فِي الكون حادثةً حتَّى يعلمَه بها، ولمَّا لم يُعْلِمها بهذا أنكرت تلك الحادثة، وقالت: إنَّ ربِّي ما فعل هذا، ولو فعلَه لعلمت.

قلت: وليس كلُّ من كان مراعيًا لحقِّ الله من شرطه أن لا يُحدِثَ الله حدثًا حتَّى يُعلِمَه؛ لأنَّ أفعال الله تعالى لا تحتاجُ إلى مشاورة، وإنما يُحمَل على أنَّ المرأة علمت إمَّا بإلهامٍ أو بمنامٍ أنَّ ابنها يطول إلى مدَّةٍ، فوافقَ أنَّه غرق فِي ماء ضَحْضَاحٍ لم يغمره،


(١) الرجا: ناحية البئر. القاموس (رجا).
(٢) كذا في (ب).