للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أني ما أمرتُ فيه بمكروه، ولا بأس عليه، فاطمأنُّوا، وفتَّشتُ بيتَه، فلم أجد فيه إلَّا مصاحف وأدعية، فعظم في عيني، وتولَّيتُ خدمته بنفسي، وأحسنتُ عشرتَه، فلمَّا قدمتُ بغداد بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكان نائبَ الخليفة ببغداد، فقال لي: يا يحيى، إنَّ هذا الرجل قد ولدَه رسولُ الله ، وقد عرفتَ انحرافَ المتوكِّل [على أهل البيت] فإن بلَّغتَه عنه كلمةً (١) قتله، ويكون النبيُّ خصمكَ يوم القيامة، فقلت: والله ما عرفتُ منه ما أنكرُه، ولا وقفتُ منه إلَّا على أمرٍ جميل، ثم صرتُ به إلى سامرَّاء، فبدأتُ بوصيف التركيّ، فقال لي: يا يحيى، والله لئن سقطَ منه شعرةٌ لا يطالبُ بها سواك، [قال:] فعجبتُ كيف وافق قولُه قولَ إسحاق، ثم دخلتُ على المتوكِّل، فسألني عنه، فأخبرتُه بحسن سيرته، وسلامة طريقته، وزهده وورعه، وأنِّي فتَّشتُ كتبَه ودارَه، فلم أجد سوى المصاحف وأدعية، وأخبرتُه بما رأيتُ من محبَّة أهل المدينة له وخوفهم عليه، فقال: عليَّ به، فأدخلته عليه، فأكرمَه وقرَّبهُ، ورفعَ منزلتَه، وأجزلَ صِلتَه، وأنزله معه بسُرَّ من رأى (٢).

[وقال الخطيب بإسناده عن الحسين بن يحيى قال:] (٣) اعتلَّ المتوكِّلُ في أوَّل خلافتِه، فقال: لئن برئتُ لأتصدقنَّ بدنانيرَ كثيرة، فلما برئَ جمعَ الفقهاء، فسألهم عن ذلك، فاختلفوا [فيه]، فبعث إلى عليِّ بن محمد [بن علي بن موسى]، فقال: يتصدَّقُ بثلاثةٍ وثمانين دينارًا، فعجبَ قومٌ من ذلك، [وتعصَّب عليه قومٌ]، وقالوا للمتوكِّل: سله من أين هذا؟ فسأله، فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين: في هذا الوفاء بالنَّذر؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ [التوبة: ٢٥]، فروى أهلنا (٤) جميعًا أنَّ المواطنَ في الوقائع والغزوات والسرايا كانت ثلاثةً وثمانين موطنًا، وأنَّ يومَ حنين كان الرابع والثمانين، وكلَّما زاد أميرُ المؤمنين في فعل الخير كان أنفعَ له وأجدَى [عليه] في الدنيا والآخرة (٥).


(١) في (خ): كما سمعته. والمثبت من (ب) و (ف).
(٢) انظر مروج الذهب ٧/ ٣٨١ - ٣٨٢، وما سلف بين حاصرتين من (ب).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف). وقال الحسين بن يحيى.
(٤) في (خ) و (ف) و (ب): أهلها. والمثبت من تاريخ بغداد.
(٥) تاريخ بغداد ١٣/ ٥١٩. وقد ردَّ ابن تيمية هذا الخبر في منهاج السنة ٢/ ١٢٩ - ١٣١ من وجوه، فانظره ثمة.