للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وفي رواية:] فعجب المتوكِّلُ من جوابه، وبعثَ إليه بمالٍ كثير وقال: تصدَّق منه بما أحببت.

وقال المسعوديُّ: بلغ المتوكِّلَ أنَّ في منزل عليٍّ كتبًا وسلاحًا من شيعة أهل قم، وأنَّه عازمٌ على الوثوب [عليه]، فبعثَ جماعةً من الأتراك، فهجموا دارَه، فلم يجدوا فيها شيئًا، ووجدوه في بيتٍ مغلقٍ عليه، وعلى بدنه مِدْرَعةٌ من صوف، وهو جالسٌ على الرمل يقرأ القرآن ويبكي، فحملُوه على حاله إلى المتوكِّل وهو جالسٌ على شرابه، فأجلسَه إلى جانبِه وناوله الكأس التي كانت في يده، فبكى وقال: والله ما خامرَ لحمي ودمي قطّ، فأعفني (١) لله، فأعفاه، وقال: أنشدني شعرًا، فقال: والله ما أنا راويةٌ للشعر، وما أعرفُ إلَّا ما أقول وما كان في معناه، فقال: قل، فقال: [من البسيط]

بانوا على قُلَلِ الأجبال تحرسُهم … غُلْبُ الرجال ولم تحرسهم القللُ

واستُنزِلُوا بعد عزٍّ من معاقلِهم … وأسكنوا حُفرًا يا بئسَ ما نزلُوا

ناداهمُ صارخٌ من بعدِ دفنهم … أين الأسرَّة (٢) والتيجانُ والحُلَلُ

أين الوجوهُ التي كانت منعَّمةً … من دونها تضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ (٣)

فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساءلهُم … تلك الوجوهُ عليها الدودُ يقتتلُ

قد طال ما أكلُوا دهرًا وما شربوا … فأصبحُوا بعد طول الأكل قد أُكلِوا

[قال:] فبكى المتوكّل [بكاءً شديدًا]، وبكى الحاضرون، وأمرَ له بأربعة آلاف دينار، وصرفَه مكرمًا (٤).

وقال يحيى بن هرثمة: اختلفَ الفقهاءُ بحضرة المتوكِّل فيمن حلقَ رأس آدم ، فلم يعرفوا من حلقه، فأرسلَ إلى عليٍّ فسأله، فقال: حدثني أبي عن آبائه عن عليٍّ أنَّه قال: أنزلَ الله ياقوتةً من يواقيتِ الجنَّة مع جبريل ،


(١) في (ب): فأعتقني.
(٢) في (خ) و (ف): الأساور. والمثبت من (ب).
(٣) الكِلَّة: الستر الرقيق. انظر لسان العرب (كلل).
(٤) انظر وفيات الأعيان ٣/ ٢٧٢ - ٢٧٣، ومنهاج السنة ٢/ ١٢٩، والوافي بالوفيات ٢٢/ ٧٢ - ٧٣. وما سلف بين حاصرتين من (ب).