للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عليُّ بن الحسين بعث معه صناديق في بعضها أطواقٌ وأسورة، وفي بعضها قيودٌ وأغلال، فلمَّا حازَها يعقوب فتحَ الصناديقَ التي فيها الأطواق والأساورة، فقال: يا طوق: ما هذه؟ قال: حمَّلنيها عليٌّ لأطوِّقَ بها وأسوِّر أهلَ البلاء من أصحابي، وفتحَ الصناديق التي فيها القيودُ والأغلال، فقال: ما هذه؟ قال: أمرني أن أقيِّدَ بها أصحابك، فقال: انظروا أثقل قيدٍ وأكبر غُلٍّ، فاجعلوه في رِجْلِ طوقٍ ورقبته، وفعل بأصحابه كذلك، وأخذ الأطواق والأساورة فجعلها في أعناق أصحابه وأيديهم.

ولمَّا أمر يعقوب بمدِّ يد طوق ليضعها في الغُلِّ، إذا بعصابة على ذراعه، قال: ما هذه؟ قال طوق: كنتُ وجدت حرارةً ففَصَدْتُ، فمدَّ يعقوب رجله، وقال: يا غلام، انزع الخف، فنزعه، فتناثرَ الخبز اليابس، فقال: يا طوق هذا خُفِّي، لم أنزعه منذ شهرين، وخبزي في خفِّي آكل منه لا آكل من غيره، ولا أطأُ فراشًا، وأنت جالسٌ في مجالس الشراب والملاهي.

ولمَّا فرغ يعقوب من أمرِ طوق دخلَ كَرْمان وحازها، وصارت له مع سجستان.

وفيها دخل يعقوب بن الليث فارس، وأسرَ عليَّ بن الحسين بن قُرَيش.

السبب لمَّا اتَّصل خبرُ طوقٍ بعليِّ بن الحسين، أيقن بقصدِ يعقوب إيَّاه، وكان يومئذ بشيراز، ونزل بمكان ضيِّقٍ تحت جبل، لا يقدرُ أنْ يمرَّ به غيرُ رجلٍ واحد، ومن الجانب الآخر نهر يقال له الكر عريض، وترك شيراز وراءه (١) بين يديه، وقال: إنْ جاء يعقوب لا يقدر على الوصولِ إلينا؛ لصعوبة المكان.

وجاء يعقوب، فنزل قريبًا منه ممَّا يلي كَرْمان، ثم ركب وحده وبيده رمح عُشَاريّ، ومعه رجلٌ واحد، فوقف ينظر إلى الكرّ والطريق التي بينه وبين الجبل، ويتأمَّل عسكرَ عليِّ بن الحسين، فعرفه أصحابه، فأخذُوا يشتمونَه، ويقولون: لنردنَّك إلى شعب القماقم والمراجل يا صَفَّار (٢)، وهو ساكتٌ لا يتكلَّم، فلمَّا شاهدَ ما أراد من ذلك انصرف، فلمَّا كان من الغد عند الظهر أقبلَ بأصحابه ورجاله حتى صار على شطِّ كُرّ ممَّا يلي كرمان، فأمرَ أصحابه فنزلوا عن دوابِّهم، وحظُّوا أثقالهم، ثُمَّ أخرج صندوقًا


(١) بعدها في (خ) بياض بمقدار كلمتين.
(٢) في (خ) و (ف): بإصغار، والمثبت هو الصواب، فهو يعقوب بن الليث الصَّفّار، وانظر تاريخ الطبري ٩/ ٣٨٥.