للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المسعوديُّ: أتي بالمعتزِّ إلى المهتدي في ثوب دنس، وعلى رأسه منديل، فلمَّا رآه قام إليه واعتنقه، وأجلسه معه على سريره، وقال: ما هذا يا أخي؟ فقال: هو ما ترى، فقال [له المهتدي:] أنا أصلحُ أمرك مع الموالي، فقال: هذا أمرٌ لا أطيقُه، ولا حاجة لي فيها، فقال: فأنا في حلٍّ من بيعتك؟ قال: نعم، وفي سَعَةٍ منها، فردَّ المهتدي وجهَه عنه، وأقيمَ من المجلس، فحُبس وقُتل بعد سبعة أيام (١)، وقيل: بعد ثلاثة أيام.

قال الصوليُّ: وأولُ ما فعلَ المهتدي بعد بيعته أنَّه نفَى المغنين والمغنِّيات إلى بغداد، وأمرَ بقتل السباع التي كانت في دار السلطان، وكسرِ الملاهي، وطرد الكلاب، وردِّ المظالم، وجلس للعامَّة، وكان يتحرَّى سيرةَ عمر بن عبد العزيز ، ويقول: إني لأغار لبني العباس أنْ لا يكونَ فيهم مثلُه، ولزم الصلاة والصوم وقراءةَ القرآن والتقشُّف، وكان من أحسن الناس مذهبًا، وأحمدهم (٢) طريقة، وأكثرهم ورعًا وعبادةً، ولم يُبَايع ببغداد حتى قُتِلَ المعتزُّ ليومين من شعبان.

[قلت: من (أين) (٣) وصفُ الخطيب والصوليِّ وغيرهما له بالورع، وقد واطأ على قتل ابن عمِّه المعتزّ من غير سبب إلَّا حبّ الدنيا، وقد كان قادرًا على منع الأتراك من قتله وتعذيبه بأن يأخذَه إلى داره فيقول: إن قتلتموه فلا حاجة لي في الخلافة، وهل يفي دمُ مسلمٍ بعبادة الثقلين، وقد عُوجل بعد المعتزِّ بيسير، والله أعلم.] (٤)

وفيها أوقعت العامَّةُ ببغداد بسليمان بن عبد الله بن طاهر، وكان وردَ كتابُ المهتدي يوم الخميس سلخ رجب يأمرُه بأخذِ البيعة على الناس، وكان أبو أحمد بن المتوكِّل ببغداد، فأرسلَ إليه فأخذَه إلى داره، وعلِم أهلُ بغداد، فجاؤوا إلى باب سليمان وشغبوا وهجموا عليه، ودعوا باسم أبي أحمد، وأرادوا نهبَ دار سليمان، وقالوا: أرنَا أبا أحمد، فأظهرَه لهم، فسكنوا، ثم شغبوا، وقالوا عن المهتدي: هذا كان أبوه


(١) في مروج الذهب ٧/ ٣٧٢، ٣٩٩: بعد ستة أيام.
(٢) في (ب): وأجملهم.
(٣) ما بين قوسين زيادة يقتضيها السياق.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).