للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الله قد بعث إلى إشموئيل تنُّورًا من حديد وقرنًا فيه دهن وقال: من ملأ هذا التنور، ونشَّ على رأسه هذا الدهن، ولم يسلْ على وجهه فهو يقتل جالوت، فعرض ذلك على أولاد إيشا فلم يرَ شيئًا، فلما رآه طالوت وضع القرن على رأسه ففاض وأدخله التنور فملأه، فقال له طالوت: هل لك أن تقتل جالوت وأزوِّجك ابنتي وأقاسمك ملكي- أو: وأجري خاتمك في ملكي- قال: نعم. فأخذه ورجع به إلى العسكر فمرَّ داود على حجر فناداه: يا داود، احملني فإني الحجر الذي قتل بي موسى ملك كذا وكذا، فحمله، فناداه آخر: يا داود احملني فأنا الذي قتل بي هارون ملك كذا وكذا، فحمله، ومرَّ بآخر فناداه: احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت، وقد خبأني الله لك؛ فحمل الجميع في مخلاته؛ ودعا جالوت للبراز فقال طالوت لداود: خذ فرسًا ودرعًا ورمحًا ففعل، وبرز لجالوت ثم رجع عنه، فقال الناس: جبن الغلام، فقال له طالوت: ما الذي بك؟ فقال: دعني أقاتل كما أريد، فقال: افعل، فنزع الدرع فأخذ مخلاته فتقلَّدها والحجارة فيها، وأخذ مقلاعه بيده، وجاء ماشيًا فلما نظر إليه جالوت ألقى الله في قلبه الرعب وقال: أنت تبرز إلي بمقلاع وحجر كما تقاتل الكلب، وأنا قاتل الملوك وهازم الجيوش؟! قال داود: أنت شرٌّ من الكلب. ثم قال: بسم الله إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ثم أخرج الأحجار، فصارت حجرًا واحدًا، وتركها في مقلاعه ورمى بها، فسخَّر الله الريح فحملت الحجر، فأصاب طرف أنف البيضة فخالط دماغ جالوت وخرج من قفاه، وقتل من خلفه ثلاثين رجلًا وانهزم القوم وجرَّ داودُ جالوتَ برجله حتى ألقاه بين يدي طالوت فكبَّر الناس وفرحوا (١).

واختلفوا في مكان الوقعة: فقال قوم: بفلسطين من نواحي الرملة، وقيل: في الرملة عند عين الجالوت، وقيل: على بَيسان. وذكر أبو القاسم في "تاريخ دمشق" أنه قتله بمرج الصفَّر عند قصر أم حكيم (٢). والأصح أنه قتله بأرض القدس والساحل.

فإن قيل: فكيف الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ [البقرة: ٢٥١] وبين قوله في حقِّ نبينا محمد : ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٤٧٢ - ٤٧٣. و"عرائس المجالس" ص ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٢) "تاريخ دمشق" ١٧/ ٨٠.