للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأنفال: ١٧]؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن داود لم يكن معروفًا في ذلك الزمان ولم يكن مذكورًا، وكان قد شرط له طالوت أن يزوِّجه ابنته ويقاسمه ملكه، فأضيف القتل إليه ليجب الوفاء بشرطه، ونبينا كان مشهورًا معروفًا لم يشترط لأحد شيئًا.

والثاني: أن العلماء قد اختلفوا في زمن النبي ، قال مجاهد: كان ذلك يوم بدر أخذ رسول الله حصاةً فضرب بها وجوه القوم وقال: "شاهت الوجوه" فانهزموا (١). وقيل: كان ذلك يوم خيبر، رمى بسهم فوقع في جبين كنانة بن أبي الحقيق على فرسه فقتله. وقيل: كان ذلك في يوم حنين فعجب المسلمون من ذلك فأراد الله أن يصرف عن رسوله العين، لئلا يعجبوا، فأضافه إلى نفسه.

ورجع طالوت بمن معه إلى البيت المقدس، وذكر الناس داود بخير وأثنوا عليه. وجاء داود إلى طالوت وقال: أنجزْ لي ما وعدتني، فقال: أتريد بنتَ الملك بغير صداق؟ قال: ما شرطت عليَّ صداقًا، وليس لي شيء، فقال: لا أكَلِّفك ما لا تطيق، إنَّ بجبالنا أعداءً لنا وأنت رجلٌ جريء، اقتل منهم مئة رجل وهم غُلْفٌ وأتني بغلفهم حتى أزوجك، فذهب داود ففعل ذلك، فزوَّجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه (٢).

ومال الناس إلى داود فحسده طالوت وأراد قتله وعمل الحيلة فيه. قال وهب: فجاء رجل يقال له: ذو العينين إلى بنت طالوت وأخبرها فقالت لداود: إنك الليلة مقتول، قال: ومن يقتلني؟ قالت: أبي، فقال: وهل أذنبتُ ذنبًا؟ قالت: لا، عليك أن تغيب الليلة، فقال: لا، إن أراد أبوك ذلك لا أقدر على الخروج، ولكن ايتيني بزِقٍّ من خمر، فأتته به فوضعه على سريره موضع منامه وغطاه ودخل تحت السرير. وجاء طالوت نصف الليل فضربه بالسيف فسال الخمر، فلما وجد ريح الشراب قال: رحم الله داود ما أكثَر شُرْبَهُ للخمر. فلما أصبح علم أنه لم يصنعْ شيئًا فقال: إن رجلًا طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدركَ ثأره مني، فاحترس وأغلق أبوابه، فأتاه داود ليلةً وهو نائم، فأعمى الله الحرس عنه، فدخل عليه فوضع عند رأسه سهمًا وعن


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٦٧٣.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٧٤ - ٢٧٥.