للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمينه سهمًا وعن يساره سهمًا وعند رجليه آخر وذهب، فاستيقظ طالوت ورأى السهام فقال: يرحم الله داود، هو خيرٌ مني، ظفر بي فعفا عني، وأردت هلاكه وما عفوت عنه. ثم أتاه ليلة أخرى، فقطع شعرات من لحيته وبعض ثوبه، فلما رأى طالوت ذلك قال: هذا قاتلي، فطلبه أشدَّ الطلب، فخرج داود إلى الجبال فأقام مع المتعبدين (١).

وطعن العلماء على طالوت (٢) فأغرى بقتلهم، فجعل كلما نهاه أحد منهم قتله حتى أفناهم. وأتي بامرأة من بيت النبوَّة تعرف الاسم الأعظم- وكانت أم إشموئيل وقيل: كانت أم اليَسَع وقد عمَّرت - فأمر جبَّاره بقتلها فرحمها الجبار وقال: لعلَّنا نحتاج إلى عالم فتركها (٣).

ثم إن الله أوقع في قلب طالوت الندم والتوبة على ما فعل، فأقبل على البكاء والنحيب حتى رحمه الناس. وكان يخرج إلى المقابر كلَّ يوم يبكي ويندب نفسه ويقول: أنشد الله من عرف لي توبةً إلا دلَّني عليها، فناداه منادٍ من القبور: يا طالوت، أما كفاك أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتًا، فازداد بكاؤه، فرحمه الجبار الذي أمره بقتل العجوز وقال له: إنما مثلك كمثل رجل نزل قرية عشاء وصاح ديك فتطيَّر منه. فقال: لا تتركوا في القرية ديكًا إلا ذبحتموه، ونام وقال لأصحابه: إذا صاح الديك فأذنوني حتى أدلج فقالوا: وهل تركتَ ديكًا يُسْمَعُ له صوت. وكذا أنت أيها الملك، وهل تركت في الأرض عالمًا يفتيك إلا قتلته؟ فازداد بكاؤه، فقال له الجبار: أرأيتَ إن دللتك على عالم أتقتله؟ قال: لا. فأخبره بقصة العجوز التي تعرف اسم الله الأعظم فسألها فقالت: والله ما أعرف له من توبة إلا أن يأتي إلى قبر إشموئيل- وقيل: كانت أُمَّ إشموئيل- فيناديه لعلَّه أن يدلَّه، ففعل، فجاءت العجوز ومعها طالوت، فبكت وتضرعت عند قبر إشموئيل، ودعت بالاسم الأعظم، فقام إشموئيل- وقيل: كانت أمَّ اليَسَع وكانت قد عمرت - ينفض التراب عن رأسه، فلما نظر إليهم قال: أقامت الساعة؟ قالوا: لا، ولكن هذا طالوت، قد جاء يسأل هل له من توبة؟ فقال إشموئيل- هو الأصحُّ-:


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٤٧٣. و"عرائس المجالس" ص ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٢) في "ب": داود.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٧٦.