للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أفراد البخاري عن أبي هريرة عن النبي قال: "خَفَّفَ اللهُ على دَاودَ القُرآنَ، فَكَانَ يَأمُرُ بإسرَاجِ دَوابِّه فتُسرَج فيقرأه قبل أن تُسرَجَ، ولا يأكلُ إلا مِن عَملِ يَدِهِ" (١). والمراد بالقرآن: الزبور، لأنه مجموع.

وللبخاري أيضًا عن المقدام بن مَعْدِي كَرِب عن رسول الله قال: "ما أصلح (٢) أحد طعامًا قط خيرًا له من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبيَّ الله داود كان يأكل من عمل يده".

وقال وهب: لما استُخلِفَ داود على بني إسرائيل عبدَ الله عبادة لم يعبدها عابدٌ، وتلا الزبور بصوتٍ لم يُعْطَهُ أحدٌ قبله، فقال إبليس لعفاريته: نفِّروا الناس عن داود، فنفَّروهم فلم يقدروا على شيء، فلم يمض ساعةٌ من ليل أو نهار إلا وفيها صائم أو قائم من آل داود، فذلك قوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: ١٣]. قال وهب: كان يقرأ الزبور ويبكي، وبيده قفة خوص يسفُّها ويبيعها ويتقوَّت منها.

وقال مجاهد: قام ليلةً لم ينم إلى الصباح فأعجبته نفسه، فنادته ضفدع من الماء: يا داود، أعجبتك نفسك الليلة؟ وعزَّة ربي إن لي ثلاث ليال ما أطبقت فمي من التسبيح لله تعالى.

وقال مقاتل: سَبَّح ليلةً فأجابته الجبال، فلما كان في جوف الليل دخلته وحشةٌ، فأوحى الله إلى الجبال أن آنسيه، فاصطكت بالتسبيح والتقديس والتهليل، فقال داود: إلهي، كيف تسمع صوتي مع هذه الأصوات؟ فأرسل الله إليه ملكًا، فأخذ بيده ففرج لى البحر، وانتهى به إلى قراره، ثم ضرب بيده قرار البحر المظلم المحيط، فانفجرت له الأرض حتى ظهر له الحوت، فتنحَّى له الحوت عن الصخرة التي هو عليها فضربها بيده، فانشقَّت فخرجت منها دودة تسبِّح، فأوحى الله إلى داود: إني أسمعُ تسبيحَ هذه الدودة في هذا المكان.

وقال في قوله تعالى: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: ١٠] أي: سبِّحي إذا سبَّح، ورجِّعي إذا رجَّع. قال ابن عباس: فصدى الجبال اليوم من ذلك.


(١) أخرجه البخاري (٣٤١٧).
(٢) في "صحيح البخاري" (٢٠٧٢): ما أكل.