للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخول مكانٍ يقال له: سوقُ الخميس فيه قوَّاد الزَّنج، فقال له أصحابه: نحن نسير إليه عوضكَ. فقال: لا بدَّ لي من ذلك، قالوا: فلا تُكثر العدد في السُّميريات، فسار في خمس عشرة سُميرية، وقدَّم أصحابه بين يديه في السُّميريات.

وكان سليمان بن موسى الشَّعراني قائد الخبيث قد بنى مدينةً بسوق الخميس وسمَّاها المَنيعَة، وبَثَق حولها الأنهار، ووعَّر طريقها، فجاء أبو العبَّاس فأخذ فوهة النَّهر الذي يصل إليها، وخرج إليه خلقٌ كثير من الزَّنج فقاتلوه، وحالوا بينهم وبين المنيعَة وسورِها مقدارَ فرسخين، وكان قد قدَّم بين يديه نُصيرًا القائد، فخالفه في بعض الأنهار والبُثوق، ومضى نُصير فوقع بمدينة الزَّنج فقاتلهم، وأسر منهم جماعةً.

وصاح الزَّنج بأبي العبَّاس: قد أسَرْنا نُصيرًا، فضاق صدرُه، وإذا بنُصير قد وافاه بالأسارى والغنيمة على فوهة النَّهر، فسُرَّ به، ثمَّ وقع القتال، وقاتل أبو العبَّاس قتالًا شديدًا والزَّنج يرمونه من السُّفن والبَرِّ بالنُّشَّاب والآجرّ، فنُزِع من دِرعه خمسٌ وعشرون نُشَّابة، ومن لُبَّادٍ كان عليه أربعون نشّابة، ونصره الله عليهم، فانهزموا، فغنم سفنَهم وسلاحَهم.

ورجع أبو العبَّاس إلى معسكره بالعُمر (١) سالمًا غانمًا، وخلع على الملَّاحين ووصلهم، وأخذ سُمَيريَّات الزَّنج مشحونة بالسِّلاح، فكان من غرق مَن الزنج أكثرَ ممن قُتل وأُسر، وكتب إلى أبيه الموفَّق بالفتح، ويخبره بما جرى، ويُطمعه في الزَّنج.

وكان الخبيث قد أمر قوَّاده بالاجتماع على حرب العبَّاس، فسار الموفق من بغداد بجيوشه والسُّفن والمعابر والشَّذا والسُّميريات في هيئةٍ لم يُرَ مثلُها إلى واسِط، فتلقَّاه ولدُه أبو العبَّاس في وجوه قوّاده وجنده، فوصف له بلادَهم ونصحهم، فخلع عليهم وأحسنَ إليهم، فسار ونزل عند عسكر ابنه بالعُمْر، ثمَّ رحل فنزل قريةَ عبد الله، ثمَّ قدَّم بين يديه ولدَه أبا العبَّاس إلى المدينة التي سمَّاها صاحبُ الزَّنج المنيعة من سوق الخميس، فقيل لأبي أحمد: ابدأ بمدينة الشَّعراني ولا تجعلها خلفك، فبدأ بها، وهجمها أبو العبَّاس، فقتل من الزَّنج خلقًا كثيرًا، واستولى على ما كان فيها، وهرب


(١) في (خ) و (ف): بالغنم، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٩/ ٥٦٦.