الشَّعراني، وتبعهم أصحابُ أبي العبَّاس في السميريات إلى البطائح فقتلوهم، وغرق منهم أكثرُ مما قتل.
واستنقذوا من المسلمات زُهاء خمسة آلاف، فبعث بهنَّ أبو أحمد إلى واسط، وأمر بتسليمهنَّ إلى أهاليهنَّ، وهدم المدينةَ، وطمَّ خنادقَها، وأحرق جماعةً من الزَّنج كانوا بها، ثم نازل مدينة الشَّعراني فدخلها، وانهزم الشَّعرانى في نَفَرٍ يسير، وسلب ولده، وماله، وأهلَه، ووصل إلى المذَار، وكتب إلى الخبيث بخبره، فتردَّد الخبيث إلى الخلاء مرارًا في ساعة، ورجف فؤادُه، وتقطَّع كبده، وأيقن بالهلاك.
ثمَّ إن الموفَّق سأل عن أصحاب الخبيث فقالوا: معظمهم مع سليمان بنِ جامع في مدينة يقال لها: طَهيثا، فسار الموفَّق إليها في ربيع الآخر، وزحف عليها بجنوده، فتلقَّاه سليمانُ بن جامع وأحمدُ بنُ مهدي الجبَّائي في جموع الزَّنج، ورتَّبوا كمينًا في مواضعَ شتَّى، ونشبت الحرب، فرمى أبو العبَّاس أحمدَ بنَ مهديٍّ الجبَّائي بسهم في إحدى منخريه (١)، فخرقه ووصل إلى دماغه، فحُمل إلى معسكره فأقام أيامًا ومات، وكان أبو العبَّاس راميًا.
ثمَّ أصبح الموفَّق يوم السبت لثلاثٍ بقين من ربيعٍ الآخر، فعبَّأ أصحابه، وجعلهم كتائبَ يتلو بعضُها بعضًا فُرسانًا ورجَّالة، وأمر بالسُّميريات والسُّفن أن يشقَّ بها في النَّهر الذي يأخذ إلى مدينة طَهيثا؛ ويُعرف بنهر المنذر، وسار هو نحو الزَّنج حتَّى انتهى إلى سور المدينة، فرتَّب قوَّاده في الأماكن التي يُخاف خروجُ الزَّنج منها، وقدَّم الرجَّالة أمام الفرسان، ونزل فصلَّى أربعَ ركعات، وابتهل إلى الله تعالى في الدُّعاء، وسأله النَّصر، ثمَّ لبس سلاحَه، وأمر ابنَه أبا العباس بالتقدُّم إلى المدينة ففعل.
وكان سليمانُ بنُ جامع قد أعدَّ أمام سور مدينتِه التي سمَّاها المنصورة خندقًا عريضًا، فلمَّا وصل إليه عسكرُ أبي العبَّاس هابوه، فترجَّل القوَّاد بأسرهم، واقتحموا الخندق، ودخلوا البلد فوجدوا له خمسة أسوارٍ، وراء كلِّ سور خندق، فجعلوا يقتحمون خندقًا خندقًا والقتال يعمل، وشقَّت السُّميريات النَّهر الذي يدخل البلدَ، فما
(١) في (خ) و (ف): بسهم واحد منخريه، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٩/ ٥٧٢.