كانت إلا ساعة وانهزمت الزَّنج، وعمل فيهم السَّيف، فغرق أكثرهم، وأجلوهم عن المدينة. وأفلت سليمانُ بن جامع في نفرٍ من أصحابه، واستحرَّ القتلُ في الزَّنج والأسر، واستنقذ أبو أحمد من المدينة زُهاءَ عشرة آلاف امرأة، فأمر بحملهنَّ إلى واسط، ودفعهنَّ إلى أهاليهنَّ، واحتوى على ما كان في المدينة من الأموال والذَّخائر والأطعمة والمواشي ما لا يُحدّ ولا يحصى، واستغنى عسكرُه وشبعوا، وفرَّق فيهم ذلك.
وأقام أبو أحمد في المدينة سبعةَ عشر يومًا، ثمَّ أمر بهدم سورها وطمِّ خنادِقها، وكان قد لجأ من أعيان الزَّنج جماعةٌ إلى آجام حول المدينة، فبعث أبو أحمد أصحابه، فأتوا بهم إليه، فخلع عليهم وأحسن إليهم، وقصد صَرْفهم عن الخبيث، ومَنَّ عليهم، ولم يقتلْ من الأعيان أحدًا.
ولما كان يوم الجمعة لليلةٍ خلت من جمادى الآخرة توجَّه الموفَّق إلى الأهواز ليصلحَ أمورها، ووكَّل عساكره بفوهة نهر أبي الخَصيب الذي فيه مدينة الخبيث [و] قوَّادُه، وشحنها بالسُّميريات والفرسان.
وكان المهلبيُّ مقيمًا بالأهواز في ثلاثين ألفًا من الزَّنج، فلمَّا قصدها الموفَّق انهزم المُهَلَّبيُّ وتفرَّق أصحابُه، وكان بَهْبوذ الزَّنجي مقيمًا في أطراف البلاد، فهرب إلى الخبيث، وترك أمواله، ومن الطعام والتَّمر شيئًا عظيمًا، فاحتوى عليه الموفَّق.
ولما تفرَّق عن المهلبيِّ وبَهْبوذ أصحابهما كتبوا إلى الموفَّق يسألونه الأمان؛ لِمَا انتهى إليهم [من] عَفوه عمَّن ظَفِر به من أصحاب الخبيث، فأمَّنهم، وهرب بَهْبوذ والمُهَلَّبيُّ إلى الخبيث إلى نهر أبي الخَصيب.
وأقام الموفَّق حتَّى أحرز ما ترك المهلَّبيُّ وبَهْبوذ، وفتح السُّكور التي كان الخبيث أحدثها في دِجْلة، ورحل الموفَّق من السُّوس إلى جُندَيسابور، ثم سار إلى تُسْتَر فنزلها، ثمَّ أمر عاملَ الأهواز [بإحضار مَن معه](١) من الموالي والغِلمان والجند ليعرضَهم، وأمر بإعطاء أرزاقهم، وجُمعت أموالُ الأهواز وحملت إليه، ففرَّقها في العساكر.