للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما يصلح [له]، فورد عليه ذلك، وقدم التُّجَّار بالأموال والأمتعة، وبنى الموفَّق الجامع والأسواق والمنازل، وشاع خبر الموفَّقية، فقدم إليها النَّاس من كل مكان واستوطنوها (١)، وتتابع قوَّاد الزَّنج إلى أبي أحمد بالأمان، فكان عددُ من وافاه منهم من رجب إلى رمضان خمسةَ آلاف رجلٍ ما بين أبيضَ وأسود.

وفي شوَّال كانت وقعة بين أبي العبَّاس والخبيث قَتل منهم خلقًا كثيرًا، وذلك لأنَّ الخبيث انتخب من قوَّاده خمسة آلاف، وأمرهم أن يعبروا فيبيِّتوا عسكر الموفَّق، فاستأمن إلى الموفَّق غلام من الملَّاحين، فأنهى إليه خبرَهم، فأمر الموفَّق ابنَه أبا العباس بالنُّهوض إليهم، وكان لهم كمين، فبعث إليه قومًا آخرين، واقتتلوا، فنصره الله عليهم، فركب أكتافهم، فكانوا بين قتيل وأسير وغريق، وأخذ أبو العبَّاس الأسارى، فصلبهم على السُّفن، ورمى برؤوس القتلى في المجانيق إلى مدينة الخبيث؛ وسببه: أنَّ أصحاب الخبيث لمَّا رأوا من الأمان والإحسان جعلوا يهربون إلى الموفَّق، فأيقن الخبيثُ بالهلاك، فوكَّل بكل ناحية من المدينة مَن يمنعهم الهربَ، فأرسل جماعةٌ من قوَّاده إلى الموفَّق يسألونه الأمان، وأن يعبرَ إلى المدينة ليكون قريبًا منهم، وكان الزَّنج قد ظهروا على أبي العبَّاس قبل ذلك بيومين، وقتلوا من أصحابه جماعة، فعبر إليهم الموفَّق في جميع أصحابه وجيوشه، وكان يومًا مشهودًا، ودار حول المدينة وأصحاب الخبيث يرمونهم بالمجانيق وغيرها، وجاء أبو العبَّاس من مكان آخر، فاقتحم الخنادق، وثلم السُّور ثُلْمة اتَّسع منها الدخول، وانهزم أصحاب الخبيث وهو معهم، وأصحابُ الموفق يتبعونهم إلى الليل، وعاد الخبيث إلى المدينة، وعبر الموفَّق إلى معسكره، وتراجع أصحاب الخبيث، واستأمنَ إلى الموفَّق خلقٌ كثيرٌ من قوَّاده وفرسانه، فأحسن إليهم، وخرجت هذه السَّنة والقتالُ بينهم والحرب قائمة، ورمَّ الخبيث ما كان وَهَى من الأسوار والخنادق.

وفيها استولى أحمد [بن عبد الله] الخجستانيُّ على خُراسان وكِرْمان وسِجِسْتان، وطرد عنها نوَّاب عمرِو بن اللَّيث، وعزم على المسير إلى العراق، وضَرَب الدنانير


(١) من هنا إلى قوله: وفيها استولى أحمد الخجستاني؛ ليس في (ب).