للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجرى بينهم مناظرات حتَّى ارتفع النَهار، ولم يَرتَحِل المعتمد لاشتغال القوَّاد بالمناظرة، ولم يجتمع رأيُهم على شيء، فقال لهم ابن كنداج: قوموا بنا حتَّى نتناظر في غير هذا المكان، وأكرِموا مجلسَ أمير المؤمنين عن ارتفاع الأصوات فيه، فأخرجهم من مَضْرب المعتمد وأدخلهم مضرب نفسه، وأمر قوَّاده وأصحابَه وفرسانه فدخلوا عليهم، فقيَّدوا الجميع، ثمَّ عاد إسحاق فدخل على المعتمد، وعَذَله في شخُوصه عن دار مُلكه، وفراقِ أبي أحمد على الحال الَّتي هو بها من مُحاربة الخبيث، وما في ذلك من الفساد، ثمَّ حمله ومَن كان معه إلى سُرَّ مَن رأى في شعبان، وبعث أبو أحمد بِخِلَع [إلى] إسحاق، وقلَّده سيفين، وتُوِّج وطُوِّق وسُوِّر، وأفضى عليه من الخِلَع والأموال ما لا يحصى، وأُقطِع ضياعَ القوَّاد الذين كانوا مع المعتمد (١).

وقال الصُّولي: كان المعتمد قد تخيَّل من أخيه الموفَّق، فكاتَبَ ابنَ طولون، واتَّفقا على أنَّه يتوجَّه إلى مصر، فلما خرج من سُرَّ من رأى قال لقُوَّاده خطارمش وأحمد بن خاقان وغيرهما: لا حاجة لنا إلى العبور على الموصل؛ فإنَّ ابن كنداج مائلٌ إلى أبي أحمد فلا آمنه، فاعدلوا عنه، فقالوا: هو أخونا ومعنا ويُساعدنا على ما نريد، فقال: سوف ترون، فلمَّا قيَّدهم صاح بهم المعتمد بالله: قيِّدْهم وزِدْهم قيدًا آخر، قال: ولمَ؟ قال: لأنَّك أخوهم وتُساعدهم على ما يريدون (٢)، وسلَّم ابنُ كنداج المعتمدَ إلى صاعد، فأنزله في دار ابن الخَصيب، وحجر عليه، فقال: [من الوافر]

أليس من العجائب أنَّ مِثلي … يرى ما قَلَّ مُمْتَنعًا عليه

وتُؤكَل باسمه الدُّنيا جميعًا … وما من ذاك شيءٌ في يديه (٣)

ولُقِّب ابن كنداج ذو السَّيفَين، وصاعد ذو الوزارتين، وأقام صاعد في خدمة المعتمد، والمعتمد يجور عليه ليس له أمرٌ ولا نهي.

حكاية جرت لصاعد:

قال الصُّولي: سعَوْا بصاعد إلى الموفَّق، ورمَوه بمال عظيم، فأمر بحمله إليه إلى


(١) "تاريخ الإسلام" ٦/ ٢٥٣ وما بين معكوفين منه.
(٢) بعدها في (خ) و (ت): وسلم ما يريدون.
(٣) ذكر الأبيات الذهبي في "تاريخ الإسلام " ٦/ ٢٥٣.