للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واسط، وجعلوا الرُّقعة التي فيها السِّعاية بالمال العظيم تحت ذَنَب طائر، وانتُظر به مسير صاعد إلى واسِط. قال صاعد: وكان عندي مئتا ألف درهم، فقلت: أحملها إلى الموفَّق، ثمَّ قلتُ: والله لا فعلتُ، ولأتصدَّقنَّ منها بمئة ألف درهم. قال: فتصدَّقت بمئة ألف في اليوم الذي حُملت فيه إلى واسط، ونزلتُ في سفينة، فبينا أنا أسير إذ سقط بين يديَّ طائر، فأخذتُه، فوجدتُ الرُّقعة الَّتي سُعي بي فيها تحت ذَنَبه، فعلمتُ أنَّ الله كفاني ذلك لأجل صدقتي، فلمَّا دخلتُ على الموفَّق أريتُه الطَّائر والرُّقعة، وعرَّفتُه الصَّدقةَ وما فعلتُ، فعظمتُ في عينه، وارتفعتْ منزلتي عنده، وقال: ما فعل الله بك هذا إلَّا لخيرٍ رَادَك له، وخصَّك به (١).

ولما بلغ أحمدَ بن طولون ذلك جمع القُضاةَ والأشرافَ والعدول، وفيهم العمريُّ وأبو حازم وبكَّار، وقال: قد نَكَث أبو أحمد بأمير المؤمنين، فاخلعوه من العهد، فخلعوه إلا القاضي بكَّار فإنَّه قال: أنت أوردتَ عليَّ كتابًا من المعتمد بولاية العهد للموفَّق، فأورِدْ عليَّ كتابًا ثانيًا منه بخلعه، فقال: إنَّه مَحْجورٌ [عليه و] مقهور، فقال: لا أدري، فقال ابن طولون لبكَّار: غرَّك النَّاس بقولهم: ما في الدنيا مثل بكَّار، وأنت شيخٌ قد خَرِفتَ، وأنا أحبسك حتَّى يَرِد عليَّ كتابٌ بإطلاقك، فحبسه وقيَّده، واستردَّ منه جميع ما كان قد أعطاه من الجوائز في مدَّة ولايته، فكانت عشرة آلاف دينار، فوجدها في بيت بكَّار بحالها وبختمها.

وكتب ابن طولون كتاب الخَلْع وفيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أجمع عليه القُضاة، والعلماء، والأولياء، ووجوهُ الأمصار؛ أنَّ ابن طولون أحضرهم إلى مَجْلسه بدمشق، وسألهم عن ما يوجبه ما أقدم عليه النَّاكث أبو أحمد في أمر أمير المؤمنين المعتمدِ على الله؛ من احتياله على الحَجْر عليه، وقبضِ أمواله، وتشريد جماعته، وأنَّه دسَّ إليه السُّمَّ، واحتال في اغتياله، فخاف أمير المؤمنين على نفسه فأجمع المسيرَ إلى أحمد بن طولون ليَعتصمَ به؛ إذ هو ثقتُه، وعدتُه، وسيفُه، وحصنُه، وإنَّ إسحاقَ بن كنداج عرض له بأمر أبي أحمد وكتابه، فردَّه قهرًا إلى سُرَّ من رأى، وسلَّمه إلى صاعد


(١) ذكر هذا الخبر عن الصولي ابنُ الجوزي في "المنتظم" ١٢/ ٢٢٣.