فحبسه، ومنع أهلَه وحشَمه عنه، وقد أصبح أسيرًا بعيدَ النَّاصر، عُرضةً لسُوء القول، وقبيحِ الفعل، يَخاف على نفسه ليلًا ونهارًا، وسرًّا وجَهارًا، فرأى كلُّ مَن حضر من القضاة والعلماء خَلْعَ أبي أحمد ممَّا فوَّضه إليه أمير المؤمنين من ولاية عهده، والتبرِّي منه، وأفتَوا بجهاده لوجوهٍ؛ أحدها: أنَّه منع حقَّ إمامه، والثاني: حقَّ الأخوّة، والثالث: حقَّ النِّعمة، وأوقع مَن حضر من الحكَّام شهاداتهم عليه، وفتياهم به، وكتب في سنة تسعٍ وستِّين ومئتين، شهد عُبيد الله بن محمد العمريُّ، وعبدُ الحميد بن عبد العزيز قاضي دمشقَ والأردن وفلسطين، وكتبوا بها نُسخًا، وبعثوا بها إلى الأمصار.
وأكثر الشُّعراء في ذلك، فقال إسحاق بن طريف المخزوميّ:[من الخفيف]
كيف يُرجى للعهد مَنْ نَقَض العَهْـ … ــــدَ ولم يَرْعَ حُرمَةَ الأجدادِ
ناكثٌ قد أضلَّ قومًا أطاعو … هُ على نكْثِ بيعةٍ وفسادِ
وبلغ الموفَّق، فكتب إلى الأمصار بلعنةِ ابن طولون على المنابر، فكان الخطيب يقول: وإنَّ عدوَّ الله، المباينَ لجماعة المسلمين، المعروفَ بابن طولون، المارقَ عن الدِّين، الذي أخرب ثغورَ المسلمين، وقاتَلَ المجاهدين، وأهَّل بالفسوق المارقين، واستباح الحريم، وسفك الدِّماء، وظلم الرَّعيَّة، ولم يقسم بالسَّويَّة … وذكر كلامًا طويلًا.
ثمَّ سار ابن طولون من دمشق إلى المصِّيصة وبها يازمان الخادم، فتحصَّن ونصب المجانيق والعرَّادات، وجاء فنزل المَرْج والبردُ شديد، والمطرُ كثير، فبثق عليه يازمان نهر طَرَسوس المعروف ببردان، فغرق المَرْج، وهلك عسكرُ ابن طولون، فرحل وهو خائف، وخرج أهل طَرَسوس، فنهبوا ما كان في عسكره، فسار إلى دمشق لا يلوي على أحد، فمرض مرضته الَّتي مات على عَقيبها، ولم يكن فيه إلَّا الغبن من لعنته على المنابر، وعصيان يازمان عليه، وأخذ المعتمد من يده بعد أن كان قد نوى أن يأخذ به الدُّنيا وما فيها.
وولَّى ابنُ طولون قضاءَ مصر محمد بن شاذان الجوهريَّ نيابة عن بكَّار، وولَّى