للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محدِّثًا- وأجرى عليه رزقًا، وذلك في سنة سبعين (١) ومئتين، فهو باقٍ في عَقِبه إلى هلُمَّ جرًّا.

[قال ابن زولاق:] وكان أحمد بن طولون يعظِّم بكَّارًا وَيحترمه، ويحضر مجالسه، ويسمع عليه الحديث؛ إلى أن طلب منه لعنةَ الموفَّق، فامتنع، فحبسه، وقيل: إنَّه لما ألحَّ عليه قال: ألا لعنةُ الله على الظَّالمين، فلم يَقْنَع منه بذلك.

[قال:] ولمَّا حبسه كان يغتسل في كلِّ جمعة، ويتطيَّب، ويَلْبَس ثيابَه، ويأتي إلى باب السِّجن، فيقول له السجَّان: إلى أين؟ فيقول: قد ناداني منادي ربِّي، وأنا أوَّل من أجابه، فيقول] السجَّان: اعذرني، فما أقدر على ذلك، ويعزُّ عليَّ، فيقول بكَّار: اللَّهمَّ اشهد، ثمَّ يرجع، وبلغ ابنَ طولون فبعث إليه يقول: كيف رأيتَ المقهورَ المغلوبَ، لا أمر له ولا نهي؟ أشار إلى المعتمد.

وقال الطَّحاوي: لا أقدر أن أُحصي كم كان أحمد بن طولون يجيء إلى مجلس بكَّار وهو على الحديث، ومجلسُه مملوء بالنَّاس، ويتقدَّم الحاجب ويقول: لا يتغيَّرْ أحد من مكانه، فما يشعر به بكَّار إلا وهو إلى جانبه، فيقول له: أيُّها الأمير، ألا تركتَني حتَّى أَقضي حقَّك، وأقومَ بواجبك! ثمَّ فسد الحال بينهما حتَّى حبسه، وفعل به ما فعل.

و [قال ابن زولاق:] دخل على بكَّار قومٌ من أهل الرَّمْلة فقال لهم: كيف حال قاضيكم؟ قالوا: عفيف، فقال: إنا لله، غَمَمْتوني، إنَّما يقال: قاضٍ عَفيف، إذا فسدت الدُّنيا.

[قال:] ولمَّا عصى العبَّاسُ بن أحمد [بن طولون] على أبيه، أرسل أبوه إليه جماعة من الأعيان منهم بكَّار بالأيمان والأمان، فقال العبَّاس لبكَّار: المستشار مؤتمن، أتخاف عليَّ من أبي شيئًا؟ فقال له: قد أمَّنك وحلف، ولا أدري أيفي لك أم لا، فامتنع العبَّاس من القدوم على أبيه، فأرسل إليه من أحضره.


(١) في (ب) و (ف): أربعين. والذي في "وفيات الأعيان" ٣/ ١١٢، و "الوافي بالوفيات" ١٧/ ٢٥٧: وجمع إليه النظر في أمره وما يتعلق به في سنة ست وأربعين ومئتين.